الوضع فى سوريا يربك كثيرين وتحاول الولايات المتحدة اللجوء إلى محاولات فاشلة مثل ادعاء استخدام الجيش العربى السورى أسلحة كيميائية فتفشل حيلها فتلجأ إلى طلب هدنة فى الغوطة مع الزج لمنظمات حقوق بادعاءات إنسانية.. وفى نفس التوقيت تحاول عبر زيارة وزير الخارجية ريماس تيلرسون لتركيا محاولة تحقيق نجاح ولو رمزى يصلح من تراجعها أمام الوجود الروسى من الغوطة لعفرين.
نذهب إلى عفرين فالوضع هناك يربك كثيرين خاصة بعد إرسال الحكومة السورية قوات إلى عفرين، وطوال أسابيع مضت، منذ التدخل التركى فى عفرين، ووسائل الإعلام الرسمية السورية لا تقابل ذلك بعداء كبير بل بوسطية إعلامية، مثلا التليفزيون السورى كان دائما يقول: «سوريا ستساند صمود سكان عفرين فى مواجهتهم للعدوان التركى»، وكانت دمشق قد حرصت على الحفاظ على ممر إلى المنطقة لإيصال المساعدات الإنسانية الحيوية، مما أتاح لمسلحى وحدات حماية الشعب الكردية مواصلة القتال ضد القوات التركية ومسلحى المعارضة السورية الموالين لهم الذين كانوا يشاركون فى القتال، والان دخول القوات السورية لعفرين يشير إلى احتمال لن يحدث وهو الصدام بين الجيشين التركى والسورى، ولعلى أذكر بواقعة شبيهة وهى عندما بدأت تركيا فى تصعيد خطابها حول مدينة منبج الاستراتيجية القريبة من عفرين فى عام 2017، وهى مدينة خاضعة أيضا لسيطرة القوات الكردية، فرضت قوات موالية للحكومة السورية سيطرتها على بعض المناطق المحيطة بتلك المدينة لدرء أى هجمات محتملة. جرت بعض الاشتباكات بين الطرفين، ولكن لم يخوضا أى قتال جدى. الوضع الراهن فى عفرين يشابه ما جرى فى منبج فى العام الماضى.
كما أنه من المؤكد أن الحكومة السورية لم تقم بهذه الخطوة دون موافقة روسيا، خاصة أن تركيا وروسيا قد تفاوضتا حول خططهما بخصوص شمالى سوريا، وقد تعمدت روسيا حاليا إلى منع أى اصطدام بين قوات الحكومة السورية والقوات التركية.. كما هو ملاحظ، كما نلاحظ أنه بعد تدخل الجيش العربى السورى فى عفرين قال وزير الخارجية التركى مولود جاويش أوغلو كلاما غريبا: «إذا كان النظام السورى يتدخل من أجل طرد عناصر حزب العمال الكردستانى «المحظور فى تركيا» فلا مشكلة فى ذلك. ولكن إذا كانوا يتدخلون من أجل حماية وحدات حماية الشعب «الكردية»، عندئذ لا يستطيع أحد إيقافنا؟
والمدهش أن وسائل الإعلام التركية تحتفى بما وصفتها بالانتصارات التى حققتها القوات التركية فى منطقة عفرين، فإن التقدم الحقيقى على الأرض محدود جدا، بما يؤكد أن الجيش التركى يقوم بعملية سياسية أكثر منها عسكرية، وما يدل على ذلك أن أنقرة تطالب بانسحاب كل المسلحين الأكراد السوريين من المناطق الواقعة غربى نهر الفرات، خشية أن تؤدى تلك الارتباطات الكردية إلى حكم ذاتى على الأرض، مما يشجع الأكراد الأتراك إلى السعى لحكم ذاتى أيضا. ذلك ما دفع الجيش التركى إلى الدخول فى عفرين 20 يناير الماضى، خاصة بعد أن علم أن الولايات المتحدة تنوى إنشاء قوة حرس حدود فى الشمال السورى تحت قيادة سوريا الديمقراطية «أى الأكراد» فأسرعت بالتدخل وتطالب تركيا أيضا بأن تسترد الولايات المتحدة الأسلحة التى أعطتها للأكراد، كما تريد أن ينسحب مقاتلو وحدات حماية الشعب من مدينة منبج التى تتمركز فيها أيضا قوات أمريكية، وكان وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون قد التقى الأسبوع الماضى مع الرئيس رجب طيب أوردغان، وعقدا مفاوضات وصفت فى تركيا بأنها «مصيرية»، واتفقا على تطبيع العلاقات بينهما والعمل سويا على الشأن السورى، دون توضيح لذلك.
من المعروف أن وحدات الشعب الكردية تتمتع بعلاقات إيجابية مع أمريكا وروسيا وسوريا، ومن المعروف أن لروسيا قوات فى عفرين، كانت روسيا قد أنشأت علاقات مع الأكراد السوريين فى الماضى، وسمحت لهم بفتح «مكتب تمثيلى» فى موسكو فى فبراير2016.. مما اضطر الولايات المتحدة إلى إرسال وحدات ولو رمزية حرصا على التوازن مع روسيا، وإن كان الأكراد أصبحوا يخشون التقارب الأمريكى التركى الأخير، ويشعرون بالخيانة عندما فتحت روسيا المجال الجوى فوق عفرين للقوات التركية، ولكن فى الآونة الأخيرة يبدو أنهم قللوا من انتقاداتهم لسياسات موسكو فى هذا الصدد، علما بأن روسيا تلعب على جميع الحبال، حيث تدعم تركيا والحكومة السورية فى نفس الوقت، حيث أكد مسؤولون روس على تصريحات متناقضة، منها دعم الحكومة السورية دخول عفرين لوقف القتال بين الأتراك وقوات حماية الشعب الكردى، وفى نفس الوقت يؤكد الكرملين أنه يتفهم أن لتركيا مبررا مقبولا لمهاجمة عفرين؟!!
رغم ذلك عادت روسيا للتلاعب وفى 19 فبراير الجارى قال لافروف إن بلادة تدعم الأكراد السوريين وأضاف: «نشهد الآن محاولة لاستغلال الأكراد فى لعبة لا علاقة لها بمصالحهم. نحث كل المشاركين فى هذه العملية على التوقف عن ذلك والبحث عوضا عن ذلك عن حلول وسط» ومضى المسؤول الروسى للقول، «قلنا مرارا وتكرارا–وهذا موقفنا المبدئى- إننا نؤيد بشكل تام تطلعات الشعب الكردى» كما دعا لافروف واشنطن إلى «تجنب اللعب بالنار» والأخذ بنظر الاعتبار «المصالح طويلة الأمد للشعب السورى بالدرجة الأولى وكذلك مصالح كل شعوب المنطقة بمن فيهم الأكراد بالتأكيد».
إن الصراع الروسى الأمريكى على الوجود فى سوريا الذى دعا الأمريكان إلى محاولة التواطؤ مع الأتراك حول الوضع فى عفرين مقابل مساندة الإرهابيين فى الغوطة ويبدو أن الاتفاق يشمل إعطاء شريط حدودى لتركيا على الحدود السورية.. الأمر الذى دعا لافروف إلى تحذير أمريكا من اللعب بالنار.
الحقيقة أن دول العراق وتركيا وإيران وروسيا وسوريا ولبنان، الدول التى بها أكراد تتفق رغم كل خلافاتها على عدم السماح بتكوين دولة كردية، ولا حتى مناطق حكم ذاتى ويعتبرون أن ما حدث فى كردستان العراق لا يجب أن يتكرر، فى حين تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل استخدام الأكراد كأداة لمواجهة أعدائهم، وبالطبع استطاعت روسيا أن تمتلك أطراف اللعبة مع الأكراد فالشركات الروسية البترولية تتشارك مع أكراد العراق فى أعمال تقترب من العشرة ملايين، وتساعد الأكراد السوريين للضغط على أمريكا، وسمحت للجيش العربى السورى الدخول إلى عفرين لحماية الأكراد وإن كان فى الحقيقة أن ذلك تم بالاتفاق مع تركيا حتى يمنع وجود الجيش السورى أى أحلام كردية بالحكم الذاتى؟!!
ترى هل يتعلم الأكراد من تلك الدروس؟ أشك فمنذ استفتاء شمال العراق الذى فشل إلى الوعود بحكم ذاتى فى سورية والتى تبوء بالفشل والأكراد لا يتعلمون من أن الوعود الأمريكية والإسرائيلية مجرد دخان فى الهواء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة