فجأة أصبحت منطقة الغوطة الشرقية هى الحدث الأكبر فى جميع القنوات والصحف، بمعالجتين مختلفتين، الأولى فى القنوات الغربية ومن يتبعها حرفيا فى قطر ودول الخليج، وهذه المنابر الموجهة تصور الموقف على أنه حرب دموية وغير إنسانية من نظام بشار الأسد ضد المدنيين الثائرين المدعومين بالفصائل الثورية المسلحة هناك، وظلت هذه المنابر الإعلامية الموجهة تنفخ فى هذا الخطاب حتى تبنته المؤسسات الأممية، وأصدر مجلس الأمن قرارا بوقف إطلاق النار لمدة ثلاثين يوما.
الخطاب الإعلامى الآخر وهو غير المسموع على نطاق واسع يقول إن فى الغوطة الشرقية نحو أربعمائة ألف مدنى محتجزون من قبل ثلاث تنظيمات إرهابية كبرى، لاستخدامهم كدروع بشرية، وهذه التنظيمات الإرهابية فى مقدمتها جبهة النصرة الفرع السورى من تنظيم القاعدة وفيلق الرحمن التابع لقطر فى تمويله وتسليحه وجيش الشام السلفى التابع أيضا فى تمويله وتسليحه إلى إحدى الدول الخليجية الراغبة فى الإطاحة ببشار الأسد.
وهذه التنظيمات الإرهابية الثلاث تلقى الدعم المباشر وغير المباشر أيضا من قوات التحالف الدولى بزعامة واشنطن، وكذا تلقى الدعم من النظام التركى الذى يستخدم التنظيمات الإرهابية عموما كقوات شعبية موازية لجيشه النظامى الذى يتوغل داخل الأراضى السورية العراقية.
ما الذى حدث، وجعل جبهة الغوطة الشرقية تبدو أسخن المناطق السورية، ودفع التحالف الدولى وقنواته إلى تسخين الأجواء إعلاميا وحث الأمم المتحدة إلى إصدار قرارها الخاص بوقف إطلاق النار؟ ما يحدث على الأرض أن المعسكر السورى الروسى الإيرانى قد انتصر فعليا على قوات التحالف ومشروعها لتقسيم سوريا ومنع وصول الغاز الروسى إلى أوروبا، وأن الجيش السورى المدعوم روسيا وإيرانيا لم يبق أمامه سوى مناطق محدودة ليستعيد سيطرته على الأراضى التى احتلتها الفصائل المسلحة والتنظيمات الإرهابية المدعومة من الغرب وتركيا وقطر وبعض دول الخليج.
ومن هذه المناطق طبعا الغوطة الشرقية التى استعد لها الجيش السورى بنفس التكتيكات التى نفذها فى استعادة حلب، بحشد القوات النظامية والمتطوعين الشعبيين لدخول المدينة والاشتباك مع التنظيمات الإرهابية الثلاث هناك «حى حى وشارع شارع»، مع توفير معلومات استخباراتية دقيقة عن مناطق تركز الإرهابيين لقصفها بالطائرات.
عملية استعادة الغوطة الشرقية والقضاء على أكبر ثلاث تنظيمات إرهابية فى سوريا التى كانت وشيكة الحدوث، كانت تعنى رسميا انتصار الجيش السورى ومعسكر روسيا إيران على التحالف الدولى وانتهاء مخطط تقسيم سوريا إلى الأبد، والدخول للمفاوضات السلمية الشكلية فى جينيف بقواعد جديدة تماما تعطى الكلمة العليا لبشار الأسد.
كما أن تصفية جيوب الإرهاب فى الغوطة الشرقية، حال حدوثها، كانت ستنقل سياق المعارك على الأرض إلى مستوى مختلف إقليميا ودوليا، فالجيش السورى فور تخلصه من خطر التنظيمات المسلحة الصداع الأكبر على الأرض سيلتفت فورا إلى تأمين حدوده مع العراق وتركيا والدخول فى مواجهات حقيقية مع تركيا التى تتوغل بسهولة فى الأراضى السورية، نظرا للجبهات المفتوحة على الجيش السورى، ولا يجب أن نغفل الخطوة الأخيرة التى اتخذها بشار الأسد بإرسال قوات نظامية وشعبية إلى عفرين لمواجهة الأتراك هناك.
أما الخطوة النهائية للجيش السورى حال القضاء على التنظيمات الإرهابية فهى تقويض ما يسمى بمناطق الحماية الأمريكية للمعارضة المعتدلة والأكراد، لاستعادة السيطرة النظامية الرسمية على كامل الأراضى السورية ومواجهة العربدة الإسرائيلية والتركية، كما أن تدخل ما يسمى بالتحالف الدولى ساعتها سيكون عدوانا صريحا يستدعى المواجهة، وهى عناوين باتت فى الأفق المنظور، وإن كانت الإرادة الأمريكية الرخوة فى الشرق الأوسط تلك الإرادة الرافضة لبزوغ النظام العالمى ثنائى القطبية من جديد تحاول تعطيل ما هو أمر واقع.. ولكن حتى متى؟!