تصادف وجودى يومى السبت والأحد الماضيين فى قريتى بمحافظة كفر الشيخ، مع بداية الفصل الدراسى الثانى بالمدارس، وكانت المفاجأة لى ظاهرة الغياب الكبيرة بالفصول الدراسية لدرجة وصلت بإحدى المدارس لأن بدأت يومها الدراسى دون طابور الصباح.
فى محاولة للبحث وجمع المعلومات، أجريت استطلاع رأى لعدد من التلاميذ بالمراحل الدراسية المختلفة، وأخبرونى بأن نسبة الغياب الأكبر فى الصف الثالث الإعدادى والصف الثالث الثانوى، ولا يحضر أى من الطلاب للمدارس، بينما الصفوف الأول والثانى الإعدادى، والأول والثانى الثانوى، تتباين نسبة الغياب بين 40 و%60 من مجموع الطلاب.
فى مساء يوم الأحد، كان برنامج 90 دقيقة على قناة المحور الذى تقدمه الإعلامية المجتهدة الدكتورة جيهان لبيب يناقش قضية التعليم والدروس الخصوصية، وكان اللافت من المداخلات الهاتفية تأكيد الأهالى على ظاهرة الغياب فى المدارس، وهو ما يعنى انتقال الغياب من ظاهرة فردية لاحظتها من بداية الفصل الدراسى الثانى إلى واقع حقيقى فى التعليم المصرى بكل مراحله.
الكارثة ليست فقط فى ظاهرة الغياب، ولكن فيما يحمله الغياب من معانٍ، أولها تلاشى دور المدرسة فى التربية والنشأة لتلميذ لم يتجاوز عمره 10 أو 15 عاما، فسينشأ مستقبلا دون أن يكون للمدرسة بصمات فى شخصيته وتكوينه وعقله، إضافة إلى أن الغياب يزيد لدى التلاميذ قناعة بأن المعلم فى المدرسة ما هو إلا «ديكور»، لأنه يذهب يوميا للمدرسة، يفطر، ويشرب الشاى، ويشعل سيجارته، ثم يغادر فى الثانية عشرة ظهرا، وهو أمر يضرب العملية التعليمية بالأساس ويهدم أى خطوة نحو تطوير التعليم الحقيقى.
المؤكد أيضا أن الطالب لا يتلقى فى المدرسة مواد دراسية فقط، ففيها يتعلم الأخلاق والتعامل والسلوكيات والطريق إلى العلم والمعرفة والبحث، يتعلم فى الصباح الرسائل من خلف تنظيم طابور الصباح، ويشارك فى الأنشطة الاجتماعية والثقافية، وتتولد لديه روح المنافسة فى المسابقات بين الفصول، ويتعلم إلقاء الشعر من أستاذ اللغة العربية، ويرتبط عاطفيا بالجبر وحساب المثلثات من طريقة أداء أستاذ الرياضيات، ويعشق مصر من مدرس الجغرافيا، وبالتالى انفصال حلقة الربط بين المدرسة والمعلم، يترتب عليها حالة فراغ لدى التمليذ الذى لن يتعلم تلك المعاملات والسلوكيات بشكلها الصحيح، فسيصبح للأسف «تلميذ فارغ».
السؤال هنا: أين وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقى من ظاهرة الغياب المتكررة بالمدارس؟ أين وزير التعليم من حالة الفراغ بين المدرس والتلميذ فى المرحلة الإعدادية ليس فقط المرحلة الثانوية؟ أين وزير التربية والتعليم من الهجرة الجماعية للتلاميذ؟ أين وزير التعليم من صدمة اليوم الأول للفصل الدراسى الثانى الذى شهد غيابا تاما فى صفوف دراسية بأكملها فى مدارس عدة بمحافظات مختلفة؟ أليس هذا مؤشرا خطيرا لكارثة أكبر عن مستقبل التعليم فى مصر؟
وهنا لا تحدثنى عن تطوير مناهج أو خطط تطوير البنية التحتية أو حتى أنظمة تعليمية جديدة أو نماذج امتحانات مختلفة، ولكن حدثنى عن فقدان المدرسة دورها الأساسى فى نشأة التلميذ، ماذا أنتظر أنا من تلميذ لم يذهب للمدرسة ويذاكر من المنزل ليدخل الامتحان فى نهاية العام يكتب ما حفظه فقط؟ هل هذا هو مفهوم التعليم عندنا. وهل هذا ما نحتاجه؟.. هذه الحالة العبثية من التعليم سينتج عنها طالب مشوه فكريا، سطحى فى معالجة الأمور، لا يملك شغف العلم والمعرفة، ولا يسعى لبذل مجهود، سينتج لدينا «طالب هش».