تحب السينما العالمية دائما أن تجدد نفسها فى كل شىء فى الأفكار والتقنيات، وبالطبع فى وجوه الممثلين، خاصة الوجوه النسائية، لكن مع توالى الأجيال، تظل الجميلة ميريل ستريب، متجددة وجها وقلبا وأداء، فهى لا تكبر أبدًا ولا يشيخ وجودها، تظل قادرة على اختيار ما يجعلها متواصلة مع الجمهور المتنوع والمختلف، لذا لا ينطفئ وهجها بل يزداد فتنة مع الوقت.
ومؤخرا، ترشحت ميريل ستريب لجائزة الأوسكار، وهذه ليست مرتها الأولى ولا حتى العاشرة، إنها المرة الواحدة والعشرون، حصلت على الجائزة الأشهر فى العالم ثلاث مرات، وأتوقع أن تفوز بالرابعة هذاالعام عن أدائها شخصية «كاثرين جرهام» صاحبة ومديرة صحيفة الواشنطن بوست فى الفيلم الذى يحمل اسم «the post» والذى يشاركها البطولة النجم الكبير توم هانكس.
كلما شاهدت عملا لـ ميريل ستريب أتساءل: أين يكمن السحر؟ كيف ظلت هذه المرأة نجمة كبيرة منذ الثمانينيات وحتى الآن دون تراجع، حيث حصلت على أول أوسكار لها فى عام 1980 وكان عن دورها فى فيلم «كرومر ضد كرومر»، وأفكر كيف لها أن تقنع المخرجين الكبار والمنتجين العالميين بأنها قادرة على حماية الفيلم وتحقيق النجاح المرجو منها، هل شخصيتها القوية هى السبب أم رقة ملامحها أم آراؤها الواضحة فى القضايا أم قدرتها على أداء الشخصيات المركبة مثل ما فعلته فى فيلم «المرأة الحديدية» الذى جسدت فيه شخصية مارجريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا، وحصلت بسببه على الأوسكار الثالثة فى تاريخها عام 2011؟
أعتقد أن سبب هذا النجاح الكبير هو أن ميريل ستريب تكون دائما مشغولة بالبحث عن إنسانية الشخصيات التى تقدمها، ففى فيلمها الشهير «اختيار صوفى» والذى حصلت فيه عن جائزنها الثانية فى عالم الأوسكار عام 1983، كان أداؤها نموذجا، فكل شىء يتضافر معًا لتظهر هى إنسانة تريد التمرد، لكنها فى حقيقة الأمر هى مجرد فتاة مرتبكة.
أما فى فيلمها الأخير the post فهى تجمع خبرتها الطويلة وتنقلها لنا فى حركات بسيطة تعكس قلق وارتباك «كاثرين جرهام» التى عليها أن تأخذ قرارا خطيرا وسريعا، فلا وقت للتفكير، فموعد إصدار العدد الجديد للصحيفة ليس أمامه سوى ساعات قليلة، وهى تعرف جيدا أن هذا القرار سيترتب عليه مصير صحيفتها «الواشنطن بوست» المتهمة أصلا بأنها ورثتها وليست مؤهلة تماما لإدارتها.
فى لحظة معينه من الفيلم كان الجميع بفضل أداء ميريل ستريب متورطا، فمشاهدو الفيلم أصيبوا بالارتباك معها، يبحثون عن حل لها، فكيف لهذه المرأة أن تتحدى البيت الأبيض الذى يشخصن الأمور وتتصدى للمحكمة الأمريكية التى ترى أن نشر هذه الوثائق المتعلقة بحرب فيتنام نوع من خيانة الوطن.
إنها المرأة الأكثر اكتمالا فى تاريخ السينما العالمية، الباحثة فى قلب شخصياتها عن وهج يمكن من خلاله اختصار الشرح الطويل، ولهذا أحب ميريل ستريب.