كالعادة تظهر المشكلة وتنتهى مؤقتا وتظل قابلة للتكرار، طالما نتعامل مع المشكلات بالقطعة، بينما الطبيعى أن نتعلم من مشكلاتنا، وأن تكون هناك سرعة فى التعامل.
موضوع الفراخ المستوردة له أكثر من زاوية، وله جوانب إيجابية والمشكلة فى تسييس موضوع يتعلق بصحة المواطن وقوته اليومى، وبقدر ما تلعب السوشيال ميديا دورا فى نشر الشائعات، فهى أيضا تمثل وسيلة مواجهة، ونقاش، وأيضا ظاهرة مستمرة من سنوات أن الكل يصبح خبيرا فى التموين والدجاج والصحة والتحاليل، يضاف على ذلك أن كثيرين يرددون أخبارا وتقارير وشائعات غير موثقة باعتبارها حقائق، البعض يفعل ذلك متعمدا وبسوء نية والبعض يسير وراءه بلا تفكير.
يضاف على ذلك أنه من الصعب تتبع أصل الشائعات ويثير الشك أنها تصدر من حسابات بالخارج، وهو أمر يجعل الفئران الافتراضية تلعب فى الصدور، واللافت أننا كثيرا ما نجد بوستات لخواجات مفترضين يتحولون الى « كولمبوهات» وخبراء فراخ ولحمة وتحاليل، منها بوست تكرر على ألسنة سيدات ورجال افتراضيين كلهم فى نفس واحد يتحدثون عن أن الفراخ من شركة ممنوعة فى أوروبا، ورد عليهم آخرون فى أوروبا أن منتجات الشركة متداولة، ونشروا صورا للمنتجات فى بريطانيا وغيرها. والبعض قال إنها فى دول عربية.
ثم إن الفيديو الأول الذى استند عليه بعض من تخوفوا كان يحذر من شراء منتجات مجمدة من على الرصيف، وأنها غير مبردة جيدا وبعضها مجهول المصدر، وهو أمر لا يمكن التساهل فيه، لأن الدواجن واللحوم والأسماك تحتاج لطريقة تجميد وتخزين للحفاظ عليها، ومن دور الصحة مواجهة منتجات الرصيف، والتموين دورها مواجهة المنتجات مجهولة المصدر، سواء كانت محلية أو مستوردة، وحسب الطبيب الذى ظهر فى الفيديو، فإن بعض أصحاب المزارع عندما يصاب الدجاج بأمراض خطيرة، يذبحوه وينزلوه الأسواق بعيدا عن المجازر، مما يجعله خطرا.
حسنا فعلت وزارة التموين والصحة أن أصدرتا بيانات تؤكد سلامة الدجاج. وربما فرصة للحديث عن السير نحو إطلاق «هيئة الغذاء والدواء» التى تم الإعلان عنها، وهذه الهيئة تتشكل من علماء وخبراء وتعمل بشكل علمى بحت، وهى التى توافق على كل منتج يتعلق بالغذاء والدواء. وهى هيئات موجودة فى كل دول العالم الحديث، حيث يفترض أن يحصل أى دواء أو منتج غذائى على موافقتها، لكن من المهم أن يكون عمل الهيئة بعيدا عن أى تدخلات أو بيروقراطية لأنها تتعامل مع منتجات قابلة للفساد، وأيضا يفترض توفير أعلى درجات الاستقلالية والعلمية لها.
النقطة الثانية هى الارتباك الواضح فى قوانين السوق العرض والطلب، لأن كل طرف يدافع فقط عن مصالحه، المنتج يحصل على أدوات وأعلاف بلا جمارك، ومع ذلك يظل السعر كما هو، بالرغم من انخفاض الأسعار عالميا، أما المستورد فهو أيضا يفرض أسعارا يضمن بها أرباحا مضاعفة.
المفارقة أن كلا الطرفين يشكو، والحل أن نتعلم من الدول الحديثة كيفية تطبيق قوانين السوق، التى لاتعنى أبدا «السداح مداح»، ولكن تعنى ضوابط واضحة وقواعد حاسمة، وتراعى عنصرى المنافسة، وتكافؤ الفرص، ومنع الاحتكار. وهى عناصر لا تتوفر لدينا، حيث يسيطر الوسطاء على الأرباح الأساسية ويفرضون قانونهم الخاص والأقرب لقانون المافيا. المنتج سواء فلاح أو صاحب مزرعة دواجن يؤكد أنه يبيع بسعر أقل كثيرا من سعر البيع للمستهلك. وعندما تتدخل الحكومة بالاستيراد أو البيع، تتهم بالتدخل وقطع عيش القطاع الخاص، وطبيعى أن يدافع كل طرف عن مصالحه، لكن بالمعقول، وهذا «المعقول» بالقانون وليس بالخواطر.
وهذه هى أصل القضية التى تحتاج إلى دراسة أو أن يعقد البرلمان جلسات استماع للغرف التجارية واتحادات المنتجين والمستوردين، وخبراء التجارة، ليضع قانونا يطبق بشكل حاسم لينهى هذه الحالة العائمة.