كان يتحدث وكله شعور بالحسرة على أمواله التى طارت مع النصاب، قال إنه وعشرين آخرين منح كل منهم 100 ألف جنيه لشخص قال له إنه سيوظفها فى تجارة الحبوب أو الأرانب أو الكروت أو العقارات أو الذهب أو الفضة أو الهواء، ويعطيهم فائدة كبيرة.. صدقوا جميعا وأعطوا اموالهم للرجل، وخلال شهور جمع ملايين وهرب كالعادة وكما هو متوقع، ويحدث على الهواء.
أدهشنى وهو يقول إنه لم يحصل على أى إيصال يثبت أن النصاب أخذ أمواله. وقال إنه وزملاءه من الضحايا قدموا بلاغات للشرطة والنيابة بعد هروب النصاب بفلوسهم. وإنه بدأ بعشرين ألف جنيه، وحصل على فائدة فى الشهر الأول، وإنه بكل إرادته رفع المبلغ إلى 50 ألفا، ثم 100 ألف، ومثله عشرات وضع بعضهم 200 ألف وأكثر.
سألته إن كان يتابع أخبار سقوط المستريحين خلال الشهور الماضية، وأنا أعرف أنه متابع للأخبار، فقال إنه يعرف ولكنه لم يتصور أن يكون ضحية، ولم يصدق أن الرجل نصاب، خصوصا أنه منحه فائدة معتبرة خلال أول شهرين، وهو ما أغراه بمضاعفة المبلغ هو ضحية متعلم، ومتابع لما يحدث ومع ذلك يصدق أن الفلوس يمكن أن تلد.
القصة تتكرر بحذافيرها، والضحايا يتكررون بحذافيرهم، وكأنهم لا يتابعون قصص عشرات المستريحين وهم يتساقطون أو يهربون بملايين شهريا، ويتصور كل «منصوب عليه» أنه سيفوز بالفائدة الضخمة، وأن أمواله سوف تتوالد وتتحول إلى ملايين، لكنها تموت مثل حلة جحا، عندما استلف من جاره حلة، وأعادها له اثنتين، وقال له إنها ولدت، ثم استلف باقى الحلل وأخبره أنها ماتت وهى تلد».. ومن صدق أن الحلة أو الفلوس تلد، عليه أن يصدق أنها يمكن أن تموت وتطير، وتتركه يندب حظه.
القصة الأخيرة حدثت فى إحدى مدن الغربية، ومثلها فى بحرى والصعيد فى نفس الوقت، ويكفى أن نعرف أنه خلال 3 أشهر فقط قبضت «الأموال العامة» على 22 نصابا جمعوا 47 مليون جنيه، وواحدة فى مدينة نصر استولت على 100 مليون.. وهناك أضعاف هذا الرقم تبخروا ومعهم مئات الملايين جمعوها بكل سهولة.
وخلال الثمانينيات كان «الريان» رمز توليد الأموال، وكان يعد ضحاياه ب3% شهريا، وكل نصاب يظهر يطلقون عليه «ريان جديد»، حتى ظهر «المستريح»، نسبة الى «أحمد المستريح» الذى نصب على عشرات المواطنين فى عدة محافظات واستولى على عشرات الملايين وزعم منحهم 10% شهريا، وهرب قبل أن يتم القبض عليه، وتتلقى مباحث الأموال العامة بلاغات من ضحايا المستريحين شمالا وجنوبا.
حكاية توظيف الأموال فى الثمانينيات، تزامنت مع فتاوى تحرم وضع الفلوس فى البنوك، ولا تحرم وضعها فى أيدى النصابين، وكانت الحجة أيضا أن فوائد البنوك ضعيفة، البنوك رفعت الفائدة، لكن هناك من يريد المزيد، ويصدق أن الأموال يمكن أن تتوالد بفائدة تصل إلى 10% شهريا، يعنى أكثر من أصل المبلغ سنويا، وهو رقم يستحيل تحقيقه، ولو فى تجارة المخدرات.
وفى نهاية 2016 كون نصاب وشقيقه فى المرج شركة للاستثمار فى الأرانب والدواجن والعقارات والذهب والفضة، مع وعد بأرباح شهرية 10-15% وقدموا سيناريو محبوكا عبارة عن شركة على طريقة البنوك شبابيك وأرقام منافذ للإيداع، وأخرى لسحب الأرباح، صالات انتظار مكيفة الهواء، وأجهزة كمبيوتر وماكينة عد نقود، وكاميرات مراقبة، وعقود وأوراق سكرتيرات، واصطادوا 1800 مواطن، و25 مليون جنيه، تم صرف أرباحا لشهر واثنين وثلاثة، سال لعاب آخرين ووصل لأن تتلقى الشركة أكثر من مليون جنيه فى اليوم الواحد، والباقى معروف خلال شهور، جمعوا الملايين، رتبوها، هربوها، وتبخروا وتركوا المكان المؤجر.
التكرار لا يعلم الشطار، والنصابون لايحتاجون إلى أكثر من مكاتب وشركات وهمية، وكل منهم يطلع بحكاية، بعضهم يدعى العمل فى كروت الشحن أو تجارة الحبوب أو الأرانب، ولو ادعوا الاستثمار فى الهواء فسيجدون من يصدقهم أو من هو على استعداد لتصديقهم، ويسلم فلوسه بكل أريحية. ويفضل النصب عن البنك. ويقدم تحويشة عمره بكل سرور، يحصل على ربح مرة أو اثنتين، فيضاعف أمواله لدى النصاب، ويبكى على المال الطائر.. يهرب المستريحون ويبكى التعبانون، تموت الفلوس وتستمر القصة بتفاصيلها، فلا النصاب يتوقف، ولا المنصوب عليهم يتعظون، الأمر كله مثير، التعاطف مع الضحايا لا ينفى وجود درجات من الطمع، يستغلها النصاب وهو يداعب غريزة الربح السهل، وكل هذا يحدث فى وقت تتضاعف فيه فوائد البنوك من دون أن تمثل إغراء لهؤلاء الباحثين عن توليد فلوسهم، فتموت.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة