المكان: مطار جوى
الزمان: غير معلوم
الأبطال: أب لا يظهر فى الكادر، وابنته التى لم تبلغ العاشرة من عمرها
العنوان: «قول للشغل أن بنتى الصغيرة زعلانه»
التفاصيل: فيديو صغير مدته 11 ثانية، تداول على مواقع التواصل الاجتماعى لطفلة صغيرة تودع أباها قبل سفره للعمل فى الخارج، قالت فيه عبارة واحدة «قول للشغل إن بنتى الصغيرة زعلانه». لم تجد الفتاة عبارة تصف حالها وهى تودع أباها بغير تلك الجملة فأصبحت أيقونة السوشيال ميديا.. على يقين تام أن الطفلة لم تحضر الكلمة من قبل ولم تتفوه بها من قبل، خرجت منها بشكل عفوى، تحمل نقاء تاما لكل معانى الطفولة وعشق البنت لوالدها، وعلى يقين تام أن الكلمة وقعت كالصاعقة على الأب.
بدا واضحا من مقطع الفيديو أن الفتاة تتلعثم وهى تنطق الكلمة، وأن وجع البعاد سيطر عليها، تريد حضن والدها وحنانه، وتريد مزيدا من اللعب والرقص والضحك، وتريد ما هو أهم، تريد «حضن» والدها، الحضن الدافئ. فى نهاية الفيديو، صوت سيدة تبكى، بلا نقاش، هى الأم، التى تبارك لزوجها رحلة العمل للخارج بكلمة «مع السلامة» وربنا يوفقك، لكنها لم تمتلك نفسها أيضا من البكاء. المشهد يحمل دراما تجسد المعانى الإنسانية الصادقة لكل أسرة مصرية، تريد أن تعيش هادئة، مستقرة، تحت سقف بيت واحد.
لا أمتلك من الكلمات ما يعبر عن هول الموقف وحالة الحب والولع بين البنت ووالدها، وصدق من قال «إن البنت حبيبة أبوها».
مشهد الطفلة التى لا أعرف اسمها ولا عنوانها، يعيد لى مزيدا من التفكير حول علاقتى كأب باولادى وعلاقة كل أب بأولاده، كم يحتاجنا أطفالنا، احتياجات غير مادية، احتياجات إنسانية وعاطفية، كم عظيم أن تحضن ابنك، كم عظيم أن «تطبطب» عليه، كم عظيم أن تمنحه قبلة الصباح والمساء، كم عظيم أن تتأمل ملامحه ويتأمل ملامحك، تلعب فى شعره ويداعبك هو بطريقته، وتراقب عن كل قرب كل تفصيلة جديدة فى حياته، أول كلمة ينطق بها وأول ضحكة وأول خطوة يخطوها وأول «سنة» يتألم منها، وأول «شكة إبره» عند دكتور الأطفال.
قبل أسبوعين شاهدت فيلما تركيا بعنوان «أبى ملاك» يحكى قصة أب وابنه، الأب يعمل فى سيرك ويمشى على «الحبل»، تدور قصة الفيلم عن مدى اعتناء الأب بالابن، فى مشاهد مختلفة، تحمل رسائل جديدة عن تربية الأبناء وينتهى للأسف الفيلم بنهاية قاسية بوفاة الأب بعد حريق نشب فى المنزل، أنقذ الأب ابنه ورحل هو عن الحياة.ينتهى الفيلم ببكاء شديد للابن وهو يردد «أبى ملاك.. أبى ملاك»، يرددها تأكيدا لشعوره تجاه والده، الذى يرعاه ويحنو عليه. استطلعت رأى عدد من الأصدقاء ممن شاهدوا الفيلم، فكان القاسم بينهم أنهم جميعا بكوا فى نهاية الفيلم ليس بكاء من الحبكة الدرامية ولكن بكاء التقصير تجاه أبنائنا.
صديق لى، يعمل فى المملكة العربية السعودية منذ 8 سنوات، بينما زوجته تقيم فى مصر عند منزل عائلتها وتغلق شقة الزوجية ولا تفتحها إلا عندما يعود صديقى فى الإجازات السنوية. قبل أسبوعين، أخبرنى صديقى أن ابنته الصغيرة تحمل مفتاح شقته وتفتحها وتجلس فيها من وقت لآخر، وتردد كلمة «أنا هنتظر بابا هو هيجى.. أنا هنتظر بابا هو هيجى». ابنة صديقى لا تختلف كثيرا عن الطفلة صاحبة عبارة «قولى للشغل.. بنتى زعلانة من الشغل» واقع مؤلم، سفر الأب أو الأم خاصة عند الأطفال موجع بالفعل البعاد، وموجع بالفعل الكلمات البريئة من الأطفال.
لا أستطيع أن ألوم الأب فى كلا القصتين، كلاهما خرجا من أجل «لقمة العيش» وكلاهما خرجا بحثا عن فرصة أفضل، كان الله فى عونهما وسدد خطاهما وخفف عنهما وعن أولادهما وجع البغاد. وتبقى عبارة الطفلة أيقونة جديدة فى الحب الصادق «قول للشغل إن بنتى الصغيرة زعلانه».