محمد حبوشه

"حقل ظهر" .. شوكة في خاصرة تركيا وقطر!

الجمعة، 09 فبراير 2018 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يجنح الكثير من الدارسين إلى تعريف القوة على أنها القدرة على التحكم في سلوك الآخرين، أو التأثير عليهم، وهنا تكمن المشكلة الجوهرية في تعريف القوة، ألا وهي عدم القدرة على التمييز بين القدرة على التصرف، وبين الممارسة الفعلية للقوة؛ فقد تمتلك الدولةُ العديدَ من العناصر المادية للقوة؛ كالقاعدة الصناعية القوية، والعدد الكبير من السكان، والمستوى المتطور من التِقنية، والموارد المهمة ، كما أنها قد تمتلك العديد من العناصر غير المادية؛ كالمستوى المرتفع من الروحِ المعنوية ، والقيادة القوية ، والمستويات العالية من التعليم، ورغم ذلك فإنها قد لا تكون قادرة أو راغبةً في ترجمة هذه العناصر إلى نفوذ فِعلي ، ولعل حل هذا اللغز أدركه الرئيس السيسي بحنكته وقدرته على الفرز في أصعب الظروف لإثبات قوة مصر في مواجهة كافة الصعاب، انطلاقا من فهمه العميق للتمييز بين القدرة على التصرف والممارسة الفعلية للقوة طوال الأربع سنوات الماضية.
ولعله أدرك بوعيه الفطري أيضا أن هنالك محاولات من جانب بعض الدول المجاورة لممارسة نفوذ موجه لمصر من شأنه أن يهدد سيادتنا الداخلية، ما دفعه إلى مقاومة هذه المحاولات بكل قوة، وأخيرًا نجح في أثبات إن مصر هي تلك الدولةَ التي تبدو أمام الدول الأخرى وهى تمتلك الخبرة، وتقدم نموذجًا مناسبًا للآخرين في مكافحة الإرهاب الدولي، الأمر الذي جعلها تستطيع أن تمارسَ نفوذًا يفوق النفوذ الذي قد يؤهلُها له عناصر قوتها الوطنية، ويبدو جليا هنا أن منطق السيسي في فهمه العام لقوة مصر الكامنة ينطلق من مفهوم "لاسويل" للقوة - والذي رأى أن القوة تحدد من يحصل على ماذا، ومتى، وكيف؟ ، فالملاحظ أن خطوات الرئيس محسوبة بدقة إلى حد البراعة في اختيار الوقت والزمان والمكان والكيفية حين يريد مصارحة الشعب ومكاشفته بشفافية مطلقة أمام العالم ، ليطلعه على حقيقة ما يجرى من أوضاع السياسة والاقتصاد والذين يؤثران على الأحوال الاجتماعية في مصر .
لقد انتبه الرئيس في زمن محدد قبل ثلاث سنوات لمقولة الأدميرال "ألفريد ماهان" أن زيادةَ القوة البحرية هي أفضلُ طريقٍ لتوفير القوة والأمن للدولة، خاصة أن مقولة "ماهان" تنطبقُ ذلك بشكلٍ خاص على مصر باعتبارها تطل على البحر الأبيض المتوسط والأحمر، فضلا عن إطلالتها الأفريقية على نهر النيل، ومن ثم فقد لجأ إلى تعظيم قدرات القوات المسلحلة بـ "المستيرال والرفال" وغيرها من أنظمة الصواريخ الذكية، انطلاقا من تمتع مصر بقوة أكبرَ نتيجة لظروفِها الجغرافية؛ ونظرا لأن هذا الموقعُ الجغرافي الفريد لمصر يشكِّل عنصرًا من أهم عناصر قوة الدولة، فمن ثم تلعب القوةُ العسكرية في العصر الحديث دورًا حاسمًا؛ فللقوةِ العسكرية قيمةٌ ردعيَّة في حال المواجهة العسكرية المحتملة التي تحول دون العبث بالاقتصاد في سبيل الحفاظ على مقدرات أمة في خطر، ومصر الآن في خطر، حيث تواجه حربا محتملة من جانب تركيا بحسب تصريحات استفزازية صادرة عن وزير خارجيتها "أحمد داود أوغلو" بشأن عدم مشروعية حقوق مصر التاريخية في "حقل ظهر" الذي بدأ إنتاجه الأسبوع الماضي، فضلا عن تصريحات سابقة على اتفاقية ترسيم الحدود بالتشكيك في أحقية قبرص في توقيع اتفاقية الترسيم مع مصر، رغم أن الاتفاقية قانونية ومقيدة في الأمم المتحدة منذ 2013، وقامت القاهرة بعمليات التنقيب على أساس المياه الإقليمية المحددة لها، مشيرًة إلى أن عمليات التنقيب والأنشطة الأخرى لا تتم إلا بعد ترسيم الحدود البحرية مع دول الجوار.
لقد بدأ التصعيد التركي يأتي رويدا رويدا في ظل انتعاش مصر اقتصاديا وتوقعات الخبراء أن يزدهر الاقتصاد المصري على خلفية اكتشافات الغاز في البحر المتوسط، وكانت قد صعدت أنقرة من وتيرة تصريحاتها العدائية تجاه مصر وقبرص بقولها إنها مصممة على حماية حقوقها ومصالحها، وبالتالي لا يمكن لأي جهة أجنبية أو شركة أو حتى سفينة إجراء أي أبحاث علمية غير قانونية أو التنقيب عن النفط والغاز في الجرف القاري لتركيا والمناطق البحرية المتداخلة فيه، وذلك ترتيبا على اجتياح تركي عدائي لشمال جزيرة قبرص في عام 1974، وإعلانها ما يسمى جمهورية شمال قبرص التركية، وهو الأمر الذي لم تعترف أي دولة في العالم به سوى تركيا، فيما يعترف العالم بدولة قبرص التي تسيطر على ثلثي مساحة الجزيرة تقريبًا.
صحيح أن رد السفير أحمد أبوزيد، المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية، على التصريحات التي أدلى بها وزير خارجية تركيا، جاء قويا ، بشأن عدم اعتراف تركيا بالاتفاق المبرم بين مصر وقبرص عام 2013 بترسيم الحدود البحرية بين البلدين للاستفادة من المصادر الطبيعية في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبلدين في شرق البحر المتوسط، خاصة أنه أكد بما لا يدع مجالا للشك بأنه : "لا يمكن لأي طرف أن ينازع في قانونية الاتفاقية، حيث أنها تتسق وقواعد القانون الدولي وتم إيداعها كاتفاقية دولية في الأمم المتحدة." وحذّر من أي محاولة لـ"المساس أو الانتقاص من حقوق مصر السيادية في تلك المنطقة،" مؤكدا أن القاهرة تعتبر ذلك "أمرا مرفوضا وسيتم التصدي له" وفق قوله.
وكان "أوغلو" قد قال في حوار له مع صحيفة "كاثيميريني" اليونانية، إن بلاده تخطط للبدء في أعمال تنقيب عن النفط والغاز شرقي المتوسط في المستقبل القريب، وشدد على أن التنقيب عن هذه المصادر وإجراء دراسات عليها يعد حقا سياديا لتركيا، كما رأى أن الاتفاقية المبرمة بين مصر والشطر اليوناني من قبرص "لا يحمل أي صفة قانونية، ويذكر أن قضية ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط تشهد تصعيدا على أكثر من جهة مؤخرا مع الحديث عن إمكانية وجود احتياطيات كبيرة من النفط والغاز في المنطقة، إذ تبادلت السلطات في لبنان وإسرائيل البيانات الشديدة اللهجة حول ملكية منطقة عرضتها بيروت للاستثمار مؤخرا.
لكن وعلى الرغم من هذا الرد القوي من جانب الدبلوماسية المصري، إلا أن تصريحات الرئيس السيسي عشية افتتاح "حقل ظهر"، والتي شدد فيها على أنه لن يسمح لأحد بأن يهدد الأمن القومي المصري، مضيفًا: "حقوق الـ 100 مليون، بالمناسبة ميصحش حد يفكر إنه يلعب في أمن مصر، أروح أموت قبل ما حد يلعب في أمنها".. قبل ما حد يلعب يا مصر، اللي عايز يلعب في مصر ويضيعها لازم يخلص مني الأول أنا أروح بس الـ 100 مليون يعيشوا"، وهى تصريحات تحمل في طياتها كثير من الدلالات على وعيه مبكرا لتلك الأزمة، فمنذ أن تم الإعلان عن واحد من أهم مشروعات تنمية حقول الغاز الطبيعى فى مصر، وهو "حقل ظُهر"، وتصنيف الشركات العاملة فى مجال الغاز له بأنه أكبر كشف غاز بالبحر المتوسط، بل أكبر الاكتشافات فى العالم، وأعداء مصر من حينها يفكرون فى كيفية مواجهته.
فالحقد على مصر دفع "تميم وأردوغان" للتحالف "الشيطانى" في محاولة لضرب الاكتشاف العالمى، وذلك من خلال صفقة بين قطر وتركيا لتوريد الغاز لمدة 3 سنوات بمعدل 1.5 مليون طن فى العام، وبذلك تحاول "إمارة الإرهاب" الخروج من مأزق المقاطعة العربية بتحالفات جديدة مع أعوان إبليس، فبعدما كانت مصر يومًا من المصدِّرين للطاقة، باتت بأفعال شيطانية من المستوردين بسبب عرقلة كل من قطر وتركيا بالتواطئ مع "بريتش بتروليم" التي عطلت عمدا قدرة الإنتاج المحلى على مواكبة الطلب المتزايد فى السنوات الأخيرة، لكن اكتشاف حقل "ظهر" فى 2015 وبدء تشغيله في فبراير 2018 بقدرة إنتاجية تبلغ 2.7 مليار قدم مكعب غاز يوميا بنهاية 2019 سوف يغير شكل المعادلة من جديد.
هذه الأرقام والإحصاءات ولا شك كانت مثار غيرة وحقد قوى لا تريد لمصر التقدم، وخصوصًا فى مجال الطاقة "المجال الأكبر استثمارًا" ربما فى العالم كله، وهو ربما قد فتح حرب الغاز على مصراعيها، فمن جانبه قال المحلل الأمريكي "سيريل ويدرشوفن"، إن حروب الغاز الطبيعي تشتعل في دول البحر المتوسط، وتعد تصريحات تركيا بمثابة إعلان حرب على مصر، وذلك لتقوم بحرمان مصر من اكتشافات الغاز الطبيعي، وتطور قطاع الغاز، والطاقة في البلاد، وكان حقل غاز "ظهر" أبرز الاكتشافات الحديثة في منطقة البحر المتوسط بعد ترسيم الحدود، وهو ما سيؤدي إلى خفض واردات الغاز الطبيعي المسال بنسبة 30 %، وتأتي هذه الحرب تزامنا مع سعي قطر التي تحاول بشتى الطرق الخروج من مأزق المقاطعة بالتعامل حتى مع الشيطان، هى تكابر يومًا بعد يوم، وتستعدى أطرافًا جديدة بدعمها للإرهاب لضرب استقرار المنطقة دون طائل سوى الكراهية، فى وقت لا تنشغل مصر فيه إلا بالبناء والتعمير.
نعم مصر تنشغل بالبناء والتعمير في تواز مع مواصلة عمليات الحفر والتنقيب في المنطقة المجاورة لـ "حقل ظهر"، والتي تحتوي على 7 آبار جديدة لم يتم الكشف بحسب الخبراء، وذلك لتؤكد حقوقها المشروعة بعد أن قامت بترسيم حدودها البحرية مع قبرص في 2003، لذا كان من الطبيعي والمنطقي أن تقوم مصر بإعادة ترسيم الحدود البحرية وهو ما حدث في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولعل "أنقرة وتل أبيب" تعدان الخاسر الأكبر من اكتشافات الغاز المصرية، وهو ما أدى إلى عدة إجراءات عدائية من الجانبين كان آخرها التصريحات التركية حيال اتفاقية ترسيم الحدود، وقد أكد المحلل الاقتصادي "تشارلز إليناس" في مركز الطاقة العالمي التابع لمجلس الأطلسي، أن مصر هي الرابح الرئيسي في قطاع الغاز حاليًا وعلى المدى الطويل متفوقة على تركيا وإسرائيل ودول المنطقة.
وفي سبيل حماية مصر لاقتصادتها المتصاعد بإذن الله خلال الفترة القليلة القادمة فقد حرصت القاهرة على تأكيد القوة البحرية والجوية للبلد الأكثر أهمية على خارطة الشرق الأوسط حاليا، إذ يمكن لهذه القوة أن تجلب الكثير من المصالح التجارية، ولقد أدركت القاهرة بوعى رئيسها المقاتل الجسور عبد الفتاح السيسي إنه يجب أن يكون لديها أسطول قوي لضمان أن يكون البحر والسفن التجارية والموانئ في أمان دائم، تماما كما شدد "ماهان" على قيمة الأمن العسكري البحري الأمريكي الذي يمكن أن يحمي البلاد من المحيط في الحرب المحلية، ولأن الإدراك يعد عنصرًا من عناصر القوة، فإن حال السيسي هنا كحال بعض صانعي القرار - مثل نيكسون وكيسنجر - الذين كانوا يعتقدون أن زيادة الإنفاق العسكري هي الطريقةُ المثلى لزيادة قوة الدولة؛ إذ يتصوَّرون أن مجرد زيادة الإنفاق العسكري يعد رسالةً إلى العدو تنم عن تصميمِ الدولة على ردع العدوان؛ ولذلك نجدهم لا يهتمون كثيرًا بالأغراض التي ستوجه لها الزيادة في الإنفاق العسكري، ولكنهم يهتمون أساسا بتلك الزيادة، كذلك فإن القادةَ السوفييت يهتمون بالتوازن العسكري الكلي، والذي يعرفونه بأنه "ارتباط القوى العالمية"، ويشمل هذا الارتباطُ عناصرَ عديدة؛ كالأيديولوجية وغيرها من العناصر التي يعيها السيسي تماما في كل مساعيه.
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة