جمال أسعد

تصحيح الفكر الدينى

الثلاثاء، 13 مارس 2018 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
العروبة والقومية العربية لم تكن أبدًا فكرة عنصرية أو نظرة شوفينية ضد الآخر، أى آخر، ولكنها منذ أسسها آباؤها الأوائل نهايات القرن التاسع عشر وأوائل العشرين، كانوا يهدفون إلى تجمع عربى وعروبى تجمعه وتوحده عدة عناصر وتحشده مجموعة مقومات، مثل اللغة والدين والوحدة الجغرافية والتاريخ والعادات والتقاليد والواقع المشترك والمصير الواحد، ذلك المصير الذى كان دائما تحدده قوى الاستعمار بكل أشكاله وبشتى صنوفه، سواء كان هذا تحت شكل عسكرى أو تبعية اقتصادية وثقافية أو باسم وحدة دينية أو تحت شعار إسلامى، ولذلك وعلى مدى التاريخ نرى ونعيش هذه المؤامرات، وتلك التحديات التى تسعى إلى تفتيت وتفتت وتشرذم هذه الوحدة وذاك التوحد. 
 
وبالطبع كانت المصالح الخاصة لكل دولة هى المبرر الذى يستعمل ويسير فى الطريق الخطأ، كما حدث فى ستينيات القرن الماضى، تلك المصالح الخاصة أُسقطت بفضل هذه الجينات العربية والعروبية بعد نكسة 1967 وأثناء معركة 1973، وما قامت به السعودية منذ مؤتمر الخرطوم إلى قطع البترول العربى الذى لم يكن فى يوم أغلى من الدم العربى، امتدادًا للدور المصرى التاريخى والمقدر تجاه كل أخواتها من الدول العربية، وعلى كل المستويات، فمن الطبيعى جدًّا- إذًا- هذه المؤامرات المحيطة بنا التى تصر على تفتيت المنطقة وعلى أسس طائفية ولصالح الدولة الصهيونية مهما كانت المبادرات والاتفاقيات، ناهيك عن ذلك الإرهاب الذى يستهدف الأنظمة، وكل المختلفين مع فكره وغير الموافقين على اجتهاداته التى أساءت وتسىء إلى صحيح الإسلام نتيجة لخلط كثير من العادات الموروثة والتقاليد التراثية بصحيح الدين، على ذلك نرى زيارة محمد بن سلمان، ولى العهد السعودى، إلى مصر الأسبوع الماضى تمثل نقلة نوعية ونضجًا فكريًّا فى التعامل مع فكرة العروبة وتوصيفًا صحيحًا للواقع العربى على ضوء التحديات والواقع الإقليمى والعالمى، مع عدم إسقاط العامل الذاتى والمصلحة الخاصة التى تقود أى دبلوماسية، فمع مقولة أمن الخليج مسافة السكة التى تصف التحديات المشتركة والمصير الواحد إلى تلك الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية التى يجب أن تلبى المصالح المشتركة لكل دولة بكل وضوح، وصولاً إلى التوافق بل الاتفاق على تصحيح الفكر الدينى الذى يتوافق مع المقاصد العليا للإسلام ردًّا ودرءًا للفكر الإرهابى المنحرف الذى يتلخص فكرًا وعملًا وإرهابًا فى رفض الآخر والتخلص الجدى منه، ونذكر هنا بذلك الموقف وتلك الرؤية للسيسى مع إعلانه وإصراره على تصحيح الخطاب «الفكر» الدينى، ذلك الموقف الذى بدأ به هو شخصيًّا وبلا توانٍ، وقد ظهر هذا فى مواقفه وقراراته وسلوكياته ومقولاته، خاصة فيما يخص المصريين المسيحيين تأكيدًا عمليًّا لأصحاب الدور التصحيحى للفكر، وتحفيزًا لهم حتى يتم كسر شوكة البداية التى تحتاج إلى الكثير، وستأخذ كثيرًا من الوقت والجهد. ونلخص هذا فى المواقف العملية وليست الشعاراتية للسيسى فى تأكيد قيم المواطنة بين المصريين بلا تفرقة ولا استثناء. هنا وجب الربط بين ما يحدث فى مصر وما نشاهده فى السعودية تصحيحًا لتاريخ طويل ولعادات راسخة وتقاليد مكرسة تم ربطها بالدين حتى أصبح كل هذا شيئًا وحدًا، فقد أدرك ولى العهد أنه لا إصلاح سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو ثقافيا فى ظل وباء التشدد ومناخ التكفير ورفض الآخر، أى آخر.  ولذا نشاهد محمد بن سلمان يدعو بل يمارس دورًا تاريخيًا للانتقال إلى الحداثة والإصلاح الدينى والسياسى والاقتصادى، إضافة إلى ذلك الانفتاح الثقافى فى الفن والثقافة والسياحة كاسرًا لكثير من التابوهات والأكلشيهات المستقرة، لذا ومن الطبيعى عند الزيارة يتم دبلوماسيًا الاتفاق على برامج الزيارة، ذلك البرنامج الذى جسد وأكد كل ما هو مشترك على كل المستويات، فوجدنا فى إطار المشترك فى تصحيح الخطاب الدينى كإحدى وأهم الأدوات لمواجهة الإرهاب ورفع الحرج الملصق بالإسلام، زيارة الكنيسة المصرية، وهذا لا شك تأكيد ومصداقية للتغيير المعلن، ورسالة إلى الداخل والخارج بهذا التغيير إيمانًا واقتناعًا وليس موقفًا طارئا، لتحقيق مصلحة مؤقتة، فهذه الزيارة بلا شك هى الزيارة الأولى والتاريخية لقيادة سعودية بهذا الحجم إلى الكاتدرائية المرقسية والكنيسة المصرية رمز المحبة والتسامح التى توافقت مع زيارة الأزهر الشريف رمز الوسطية والاعتدال، فى رسالة تدعو إلى التعايش وقبول الآخر والانفتاح على العالم من أكبر دولة تحتضن المقدسات الإسلامية «الحرمين الشريفين». 
 
لا شك أن هذه الزيارة التاريخية لم تقتصر نتائجها على تلك الكلمات المتبادلة بين البابا وولى العهد، حيث أكد ولى العهد اعتزار كل المسلمين بأقباط مصر وليس مسلمى مصر فقط، لما يربط الأقباط تحديدًا بالإسلام منذ دخوله مصر، وبإعلانه عن الدور الوطنى الذى تقوم به الكنيسة وما تحملته من مصاعب لم ترد عليها بغير الحب والتسامح، ولكن هناك أيضًا رسائل مهمة، وهى أن السعودية الآن ترفض تلك الممارسات التى ترفض الآخر وتستهجنه وتسفهه باسم الإسلام زورًا، رسالة عملية بقبول الآخر الدينى ردًا ومواجهة لكل من يتمسحون فى علاقتهم بالسعودية تحت مقولة وحدة الفكر الدينى، والذين يطالبون بعدم المعايدة على الأقباط، بل ما نراه وما نسمعه وما هو معروف ولا نريد تكراره، والأهم هو رسالة للعالم بأن يكف يده بادعاءاته عن حمايته الأقليات الدينية فى المنطقة، فالآن كما قال الإمام الأكبر توافقاً مع هذا التغيير، وذلك التصحيح، أنه لا وقت الآن لمقولة الأقليات الدينية، ولكن البديل الآن هو المواطنة التى تساوى بين المواطنين على أرضية الوطن التى تحصل على كل الحقوق وتلتزم بكل الواجبات، تأكيدًا وتطبيقًا للمقاصد العليا والقيم السامية للإسلام، وهذا هو طريق إعادة أصداء العروبة المرتجاة.
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة