كان لى شرف التحدث للرئيس مرات قليلة لا تتجاوز فى عددها أصابع اليد الواحدة لكن هذه اللقاءات القليلة تركت أثرًا عظيمًا فى نفسى تجاه الرجل الذى أدركت عند لقائه أننى أمام شخصية متفردة، فهو المثقف البسيط الطيب الحازم الهادئ القوى، تركيبة لا تتوفر إلا فى العظماء.
الرئيس السيسى دخل التاريخ بالفعل بانحيازه لجماهير الشعب المصرى فى الـ30 من يونيو، كما أنه لم يدر ظهره للملايين الذين دعوه للترشح للانتخابات الرئاسية، فخلع بدلته العسكرية العزيزة عليه ليدخل إلى معترك السياسة، فقد كان الأفضل له أن يظل وزير دفاع بدلا من دوشة السياسة فى وقت فقدت فيه المناصب السياسية رونقها القديم، إلا أنه أقدم على الأمر تلبية لثقة الملايين فى قدرته على إخراج مصر من عثراتها ليقامر بشعبيته التى كان من الممكن أن يحتفظ بها مع بقائه وزيرا للدفاع بعيدا عن مكائد السياسة.
ما يميز السيسى أنه يحلل بعمق شديد المشاكل التى تواجهها مصر وأسبابها وحلولها المتنوعة، كما أنه لا يتطلع فقط لحل هذه المشكلات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وإنما يسعى لطفرة كبيرة تشهدها مصر المحروسة لتلحق بقطار الدول العظمى والعالم المتقدم، فعندما شاهدت السيسى وجدته شديد التواضع فمن يثنى عليه وعلى دوره فى إنقاذ مصر من خراب الإخوان تجده وقد بدت ملامح الخجل على وجهه ليقاطع من يثنى عليه، متحدثا أنه لم يصنع شيئا وإنما كل ما حدث من صنيعة المصريين.
حديثه لا يخلو من التطرق للدين ولكن من زاوية الارتقاء بالأخلاق والتدين بعيدا عن علاقة ذلك بأى مواقف سياسية، كما كان يتاجر الإخوان بالدين فيستخدمونه لأغراض سياسية، ليتحدث دائما بصدق وعن الصدق فتجده دائما يصمت قليلا قبل أن يستأنف حديثه سواء تعليقا على أمر أو ردا على سؤال ليتحرى الصدق فيما سيقول لتجد وجهه وقد ملأته ملامح الغضب على سبيل المثال عند النقاش حول تفشى ظاهرة التحرش، وكيف أن المصريات لا يسيرن بمأمن على أنفسهن بين إخوانهن الشباب المصريين فماذا حدث لنا؟!
كما أن الرئيس السيسى ليس له حل أو مدخل ممن يتقربون له لمصلحة ما أو منصب سياسى، فهو يدرك من الوهلة الأولى من يتودد له للحصول على شىء فيهلكه فى العمل ويخرج منه التزامات تصب فى صالح الوطن ليبحث المتوددون عن قضاء المصلحة فلا يجدوا شيئا، بل يجدون أنفسهم أمام رجل لا يعرف إلا مصلحة الوطن ولا يمكن استمالته من قبل أحد كما كان يحدث مع من قبله، كما أن من شاهد المشير السيسى وتحدث له مباشرة بعيدا عن الحوارات أو الخطابات الإعلامية يجده شخصية خفيفة الظل، فلا يخلو حديثه من المزح اللطيفة التى تقلل من حالة التوتر التى تصيب جالسيه من مهابته وكاريزميته الطاغية.
كما أن أحد مسببات إيمانى بالسيسى هو ما اطلعت عليه بحكم عملى فى لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس النواب فقد لامست من فاعليتنا ولقائتنا مع الأطراف الدولية سواء أعضاء برلمان أو حكومات بأن أزمتهم أنك أمام حاكم لا يرضخ لضغوط ولا يعرف سوى مصالح الدولة التى يحكمها، فقد انكشفت أمامى قوى كثيرة متربصة باستقلال القرار الوطنى المصرى، فقد تأكد لهم أن السيسى هو الحائل دون النيل من القرار المصرى بل امتد الأمر إلى أكثر من ذلك، فقد باتت مصر بقيادة السيسى تشكل خطرا على مصالح بعض الأطراف وأن التقدم المصرى السريع على الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية يخل بموازين القوى، فمصر عندهم لا يمكن أن تكبر أكثر من ذلك.
قوى الاستعمار عند العدوان على مصر فى عام 1956 كانت تصرح بأن المشكلة ليست مع مصر الدولة بل مع ناصر، فهكذا هى اللعبة القديمة مع أى حاكم مستقل بالقرار الوطنى فيكون المسعى نحو ضرب العلاقة بين الشعب والقيادة السياسية، وهكذا مسعاهم اليوم فعلى مدار أربع سنوات من حكم السيسى عمدت كل وسائل الإعلام والمنظمات والأجهزة الاستخباراتية للدول المتربصة والمعادية على تدمير صورة السيسى أمام الشعب وإخفات نظرة الزعامة الشعبية له، وكان الاستغلال الأمثل هو للقرارات الاقتصادية وكان منهج الرئيس هو الأمثل فى مواجهة كل ذلك منهج المصارحة من خلال ما قاله فى كشف حسابه فى مؤتمر حكاية وطن بأنه كان من الممكن أن يرجى القرار الاقتصادية إذا التفت إلى مسألة الشعبية، لكنه رأى فى ذلك خيانة فاختار الطريق الصعب مؤمنا بوعى المصريين فى إشارة لكلمته للمصريين «لقد أكرمتمونى».
أما وقد بات تولى السيسى لفترة رئاسية ثانية محسوما، فالمراهنة الآن من قوى الشر والتربص تنصب على ضعف المشاركة فى العملية الانتخابية تمهيدا لعمليات استهداف سياسى وممارسة كل أنواع وأشكال الضغوط على السيسى فى مرحلة الرئاسية الثانية، وفى مواجهة مساعى قوى الشر، فالأمل الآن هو فى الشعب المصرى فى القدرة على دحر مخططات المتربصين والانتصار لإرادة الأمة كما فعل دوما عبر تاريخه العظيم.