حوارات هاتفية خاطفة، ولقاءات قصيرة ومتباعدة، جمعتنى بوزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقى، لكننى أحفظ أفكار هذا الرجل عن ظهر قلب، حتى من قبل توليه منصبه الوزارى، وأفهم خلفياته الفكرية والعلمية إلى الحد الذى أستطيع أن أقرأ توجهاته الاستراتيجية فيما يتعلق بمستقبل التعليم فى مصر، وأستطيع أن ألمس كذلك كيف تتناغم هذه الأفكار مع السياسات العامة وأحلام تطوير التعليم التى تشغل عقل وضمير الرئيس عبدالفتاح السيسى، وظنى أن هذه الاستراتيجيات ستكون مفاجأة كبيرة ومبهجة، بعد أن يتم الإعلان عنها قريبا بإذن الله.
لكن ما أتطلع إلى أن ألفت الانتباه إليه هنا وأتوقف أمامه بعمق هو الذكاء الذى تعامل به الوزير طارق شوقى، مع «سفاسف» الإدارة الروتينية فى دولاب الحكومة ودواوين الوزارات، ومع البيروقراطية العميقة التى عادة ما تضع قضبانا حديدية خانقة، وتجبر الوزراء على السير داخل هذه القضبان قهرا وإجبارا على مدار الساعة، وأفهم كذلك كيف تعامل الوزير مع الصحف التى تعتبر أن أولوياتها فى النشر هو الاشتباك مع القضايا الإدارية والروتينية فى دولاب العمل فى الوزارة فقط، كقضايا الصراعات الإدارية والفصل والحوافز ومكافآت الامتحانات وغيرها من القضايا العالقة فى كل وزارة، وليس الاشتباك مع قضايا التعليم الحقيقية التى تستحق الرعاية إعلاميًا وسياسيًا فى مصر.
كان طارق شوقى فى تقديرى محصنا ضد هذه «السفاسف» بأمرين «الزهد فى المنصب أولا، ثم الفكر المستقر والرؤية الواضحة ثانيا»، فالرجل لم ينشغل بالصراعات الإدارية التى فرضت عليه منذ اللحظة الأولى، كما فرضت على كل من كانوا قبله من الوزراء، ولم يتورط فى الصراعات البينية الإدارية أو ينشغل بأولويات البيروقراطية العميقة فى داخل وزارة التربية والتعليم، لكنه ركز بحسم على أولوياته هو، معتبرا أن دور وزير التربية والتعليم لا يتعلق بالغرق فى توقيع الأوراق، وفض المنازعات، وتحريك لجان الإشراف، أو رفد مديرى المدارس على الهواء مباشرة كما كان يحدث من قبل، لكنه اعتبر أن وزير التربية والتعليم يجب أن يحرك التعليم نفسه فى مصر، ويقود استراتيجيات بناء الإنسان المصرى، ويضع الخطط التنفيذية لهذه الاستراتيجيات ليتقدم البلد نفسه خطوات إلى الأمام.
فأبى طارق شوقى أن يصبح وزيرا روتينيا أو زعيما للبيروقراطية الوزارية العتيدة، وتعفف عن أن يصبح رائد تطوير النظافة فى حوش المدرسة، وقائد عمليات إصلاح زجاج نوافذ الفصول، ورئيس فريق التغذية المدرسية، فرغم أهمية هذه الملفات واهتمام الوزير بها فعليا، فإن سلوكه فى إدارة هذه الملفات من اليوم الأول لتوليه حقيبة التعليم يؤكد أنه يفهم مهمته، باعتبارها أكبر من ذلك كثيرا، مهمته العقل المصرى وليس ديوان الوزارة، ومهمته وضع استراتيجيات مستقبلية للنهضة الشاملة، وليس وضع خطط توزيع التغذية المدرسية فى أكياس بلاستيك أم أكياس ورقية.
إصرار الوزير على رسم دوره فى القيادة على هذا النحو آتى ثماره فى تقديرى، وأظن أن ما سيتم الإعلان عنه قريبا من خطط للتطوير سيكون مفاجئا على الأصعدة كافة، سواء ما يتعلق بالبنية التحتية للتعليم المصرى، أو بالفكر الذى يحكم مناهج التعليم، أو بالمنتج النهائى للعقل المصرى الذى يستهدفه هذا التطوير.
الدرس هنا، أن الزهد، والرؤية الواضحة، يشكلان طوق نجاة من أعاصير البيروقراطية العميقة.
مصر من وراء القصد.
عدد الردود 0
بواسطة:
فرعون
يا استاذ خالد
دى مش سفاسف. دى مافيات فى كل الوزرات. يا ريت عند نقل الوزارات الى العاصمه الجديدة يتم تسريح هؤلاء و تعين جيل جديد من الخبرة مع الشباب ذو الرؤيه و التطور المستقبلى فى كل الوزرات. لو تم هذا فعلا ستكون مصر اد الدنيا.