أخيراً أراح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، نفسه والعالم من وزير خارجيته المثير للشكوك، ريكس تيلرسون، بعدما أقاله أمس الأول الثلاثاء وعين بدلاً منه مايك بومبيو، لإنهاء حقبة ربما تكون الأسوأ فى تاريخ الخارجية الأمريكية، وعلاقتها بالبيت الأبيض، ففى شرح لقراره إقالة ريكس تيلرسون، قال ترامب «كنا متفقين بشكل جيد لكن اختلفنا حول بعض الأمور»، مضيفا «بالنسبة إلى الاتفاق «النووى» الإيرانى أعتقد أنه رهيب بينما اعتبره «تيلرسون» مقبولا، وأردت إما إلغاءه أو القيام بأمر ما، بينما كان موقفه مختلفا بعض الشىء، ولذلك لم نتفق فى مواقفنا»، وقال ترامب أيضاً إنه اتخذ قرار إقالة تيلرسون دون النقاش معه، وأنه اختار بومبيو، لأنه يتفق معه فى السياسات.
بالتأكيد منذ عدة أشهر وهناك أحاديث كثيرة عن خلافات شبت بين ترامب وتيلرسون، بدأت باختلاف كبير تجاه الأزمة القطرية، وتعمقت فى التعامل مع الملف النووى الكورى الشمالى، وحاول ترامب أن يثنى تيلرسون عن تغريده المنفرد بالوزارة بعيداً عن البيت الأبيض، لكنه فشل فلم يكن أمامه إلا إقالته، وجاءت الإقالة بطريقة ربما لا تليق بوضعية تيلرسو الذى علم بالقرار من الإعلام، بعدما نشر ترامب القرار فى تغريدة على موقع تويتر، ولم يبلغها رسمياً لوزير خارجيته الذى كان يستعد لجولة أفريقية.
منذ تعيينه وزيراً للخارجية، كان تيلرسون محل جدل كبير، خاصة أن عمله السابق كمدير تنفيذى لمجموعة أكسون موبيل، أثر على قراراته وتحركاته، وقد رأينا ذلك بقوة فى الأزمة القطرية، حينما انحاز لأمارة الإرهاب، التى كان يربطه بها أعمال خاصة، وساندها فى مواجهة الرباعى العربى «مصر والسعودية والإمارات والبحرين»، مفضلاً مصالحه الشخصية على حساب المصالح العليا للولايات المتحدة الأمريكية، وتحدثت تقارير عدة عن علاقة تيلرسون برجال أعمال ومسؤولين قطريين خلال فترة توليه رئاسة شركة إكسون موبيل النفطية التى شغل من خلالها مقعداً فى مجلس الأعمال الأمريكى - القطرى، وكانت لهذه العلاقة أيضاً تأثير على توجه الخارجية الأمريكية باعتبار الاتفاق النووى الإيرانى «مقبولا»، بينما يراه ترامب رهيبا، ويسعى إلى إلغائه، وهو خلاف لم يكن الوحيد كما سبق وقلت، لكنه متعدد.
وفضلا عن خلافاته المتعددة مع ترامب، فقد كان الفشل ملاصقا لتيلرسون أينما ذهب فى كل الملفات، فضلا عن الفشل الإدارى الداخلى، الذى وصل صداه إلى الكونجرس، حينما أعربت مجموعة من كبار أعضاء الكونجرس الأمريكى، من الحزبين الجمهورى والديمقراطى فى نوفمبر الماضى، عن إحباطها حيال جهود تيلرسون لإصلاح الخارجية الأمريكية، بل إنه بحسب مجلة فورين بوليسى تزايدت الشكوك داخل الكونجرس بشأن أهلية تيلرسون لقيادة وزارة الخارجية وهو ما تركه فى وضع غير مستقر سياسيا خلال الآونة الأخيرة، بل إن عدد ليس بقليل من النواب كانوا يرون أن تيلرسون لم يكن صوتا مؤثرا يمثل وزارة الخارجية الأمريكية فى هذه المرحلة.
التخبط الإدارى وصل إلى فشله فى توفير سفراء للولايات المتحدة فى بلدان عدة، لا تزال بدون سفير أمريكى، ومنها على سبيل المثال مصر، فمنذ أن قرر فى بداية تعيينه قبل عام سحب السفراء الأمريكيين من أجل تعيين جدد، لكنه فشل فى ملء هذه الشواغل حتى وقتنا الحاضر، وباتت الكثير من السفارات الأمريكية فى الخارج بدون سفير، مكتفية بمنصب «قائم بالإعمال، وهو وضع لم تعهده واشنطن قبل ذلك».
المهم الآن ماذا سيكون الوضع فى الخارجية الأمريكية؟
بالنظر إلى ما قاله مايك بومبيو: «أتطلع لتمثيل الشعب الأمريكى أمام العالم»، وتأكيده أن قيادة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، جعلت أمريكا أكثر أمانًا، مضيفًا «أشكر الرئيس ترامب على اختيارى لمنصب وزير الخارجية»، فيمكن القول إن السياسة الخارجية الأمريكية ربما للمرة الأولى منذ انتخاب ترامب ستشهد تناسق ما بين الخارجية والبيت الأبيض، وهو ما سيساعد ترامب على حسم العديد من الملفات، وأهمها الملف النووى الإيرانى، فضلاً عن وضع خط واضح ومحدد للتعامل مع كوريا الشمالية، فى ضوء التطورات الأخيرة التى نتجت عن دعوة زعيم كوريا الشمالية لترامب لكى يلتقيا، فضلاً عن أن خروج تيلرسون ربما يكون له تداعيات مباشرة على الأزمة القطرية، تتمثل فى أن تعيد الدوحة حساباتها من جديد، لأن أكبر داعميها فى واشنطن بات الأن فى المنزل، ولم يعد أمام تنظيم الحمدين إلا التفكير بمنطق المصالح الإقليمية وليس الاستقواء بتيلرسون أو غيره.