معركة كبرى تجرى فى صمت، أو بأقل قدر من الضجيج الإعلامى، بينما أثرها على الأرض هائل وجذرى ويمكن التأريخ لما قبلها وما بعدها، عن معركة استعادة وتنمية سيناء أتحدث أيها السادة، فقد حررنا سيناء الغالية بحرب 6 أكتوبر العظيمة واستعدنا كامل ترابها بالسلام، لكننا لظروف يطول شرحها تركناها معزولة عن الوادى والدلتا، كما تركناها قفرا بلا تنمية حتى سنوات قليلة، مما أدى إلى تكون بؤر الإرهاب فى منطقة الشمال، وبروز أطماع الأعداء التقليديين وغير التقليديين فى أراضيها مرة أخرى.
اليوم، مصر تخوض معركة شرسة ومكلفة، لاستعادة سيناء من براثن الإرهاب المدعوم خارجيا وإعادة تنميتها، ورأينا كيف تكشف البيانات المتتالية للقوات المسلحة فى العملية سيناء 2018 عن عدد كبير من العناصر الإرهابية المسلحة المزروعة هناك وعن الاستعدادات الهندسية ومخازن السلاح النوعى من صواريخ جراد وكورنيت المضادة للطائرات ومراكز اتصال متقدمة ومخازن للغذاء والإعاشة وأنفاق مجهزة، كما نرى إصرارا من القيادة السياسية على التحرك بالتوازى بين استعادة سيناء من براثن الإرهاب وربطها ربطا عضويا بالوادى والدلتا وإطلاق أكبر معركة للتنمية والتعمير على أراضيها.
ونعرف جميعا أنه منذ الخمسينيات من القرن الماضى عندما تم تدمير خط السكك الحديدية الذى كان يربط القاهرة بالعريش ومنها إلى الأراضى الفلسطينية، أريد لسيناء أن تبقى معزولة عن القاهرة، وأن تظل صحراء جرداء حتى تبقى الأطماع الإسرائيلية وغير الإسرائيلية فيها احتمالا قائما، وهانحن نشهد لأول مرة بالتوازى مع معركة تحرير سيناء من الإرهاب معركة أخرى تفوقها أهمية وتأثيرا، هى معركة إعادة الشرايين والعضلات الواصلة بين الذراع سيناء والجسد المصرى من خلال محاور عديدة تجلب الفرحة والفخر إلى قلوب المصريين، وأولها مشروع الأنفاق العملاقة للبشر والسيارات والسكة الحديد بين سيناء والإسماعيلية وبورسعيد، وهو مشروع تتجاوز تكلفته الأربعة مليارات دولار لكنه يحقق الحلم الذى طالما طالبنا به وهو الربط العضوى بين سيناء والوادى والدلتا بما يسمح بإقامة مجتمعات عمرانية وتجمعات سكانية كثيفة تمثل أقوى خطوط الدفاع عن أمننا القومى.
المشروع الثانى المرتبط والمكمل للأنفاق من الإسماعيلية وبورسعيد، هو مشروع خط السكك الحديدية عالى السرعة الذى أعلن عنه مؤخرا وزير النقل هشام عرفات لربط البحرين الأحمر والمتوسط وقطع الطريق على أحلام البعض لمنافسة قناة السويس بريا، والمشروع المرتبط أيضا بمعركة تنمية سيناء تشارك فيه 10 شركات عالمية ومن المقرر بحسب وزير النقل أن يتم ترسية العقد خلال أشهر قليلة، مما يعنى أن الدراسات الخاصة بالمشروع والخطط اللوجستية المتعلقة به معدة منذ وقت طويل نسبيا ووفق التخطيط الشامل لتنمية سيناء.
والمشروع الثالث الذى يجرى تنفيذه ومتابعته من خلال لجنة عليا برئاسة المهندس إبراهيم محلب، هو مشروع تنمية أراضى شمال سيناء بإجمالى أربعمائة ألف فدان مقسمة على مناطق سهل الطينة وجنوب القنطرة على الضفة الشرقية لقناة السويس بإجمالى 125 ألف فدان تمت زراعتها وبدأت الإنتاج الفعلى، والمرحلة الثانية بمحيط منطقة بئر العبد بين العريش والقنطرة غرب وتضم 156 ألف فدان ومنطقة السر والقوارير وتضم 85 ألف فدان ومنطقتى المزار والميدان وتضم 33 ألف فدان، ويتكلف البنية الأساسية للمشروع وتوفير الموارد المائية له نحو سبعة مليارات جنيه، بما يتضمن إنشاء 7 قرى جديدة على أعلى مستوى لتوطين السكان، منها 5 قرى فى منطقة سهل الطينة وقريتان جنوب القتطرة.
معركة كبرى إذن تجرى على الأرض، وراءها مشروع وطنى لاستعادة سيناء استعادة حقيقية، ليس بالسلاح وحده ولكن بالتنمية وتوصيل الشرايين المقطوعة مع محافظات القناة ومع الوادى والدلتا، وتحويل أرض الفيروز من مناطق مقفرة فى معظمها إلى رئة جديدة تستوعب التمدد السكانى والعمرانى فى الوادى وتدعم مشروع الأمن القومى المصرى.