التصعيد البريطانى ضد روسيا فى قضية الجاسوس السابق سيرجى سكريبال يشير إلى عوامل تتجاوز محاولة تسميم الجاسوس
بالغاز، روسيا أصبحت متهما دائما من أوروبا الغربية، ومن أمريكا، وما تزال قضية التدخلات الروسية فى الانتخابات لأمريكية
تراوح مكانها، وتواصل الأجهزة البحث عن أدلة مباشرة، واتهم البريطانيون روسيا بالتدخل المتعمد وتوظيف وسائل التواصل فى توجيه الرأى العام البريطانى للتصوت مع مغادرة الاتحاد الأوروبى، وهناك اتهامات ألمانية للروس بالتدخل فى انتخابات أوروبا عموما.
كل هذا يعيد ذكرى الحرب الباردة عندما كان السوفييت يشكون من تدخلات الغرب لإسقاط الأحزاب الشيوعية فى الانتخابات،
واعترف الأمريكان أنهم مولوا أحزابا فى أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية لإسقاط الحزب الشيوعى، بل إن مشروع مارشال لإعمار أوروبا الغربية بعد الحرب كان الهدف منه انتشال الغرب من السقوط فى براثن الشيوعية، فقد ترتب على الحرب العالمية الثانية تدمير الاقتصاد الأوروبى وانتشار الفقر والبطالة، وخلق تربة خصبة لانتشار الشيوعية وسارعت الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أقوى اقتصاد آنذاك، ولم تتضرر كثيراً جراء الحرب بإطلاق مشروع مارشال، وبدأ سباق تدخلات بين المعسكرين السوفيتى والأمريكى لشراء الولاءات.
انتهاء الحرب الباردة وخروج السوفييت من المنافسة، منح أمريكا سنوات تفوق ودفعت نحو تفكيك الاتحاد السوفيتى ومنع
عودته، واستغلت فترة تولى بوريس يلتسين ونشرت عملاءها فى شرق أوروبا، واعترف ميخائيل جورباتشوف آخر رئيس سوفيتى أنه تعرض لخداع يلتسين، « جورباتشوف فى الحياة » فى مذكراته وأعلن اعتزال الرئاسة نهاية 1991 ، معترفا بمسؤوليته عن انهيار الاتحاد السوفيتى، وأشار إلى أن يلتسين كان الرجل صفر لتفكيك روسيا، واعترف مسؤولون روس أن الولايات المتحدة ودول أوروبا ومنها بريطانيا وألمانيا أرسلت عملاءها للتفتيش فى أسرار السوفييت النووية والاقتصادية.
سعى بوتين إلى لملمة الاتحاد الروسى وأعاد بناء أجهزة الأمن والاستخبارات لمطاردة عملاء الولايات المتحدة والغرب الذين أقاموا محطات متعددة، وبدأ بوتين عمليات هجوم استخبارى، بطريقة مزدوجة اكتشاف عملاء الغرب وزرع عملاء فى الغرب.
وكان سقوط شبكة التجسس عام 2010 كاشفا عن هذا الجهد، وتم تبادل الجواسيس العشرة مع أربعة منهم سيرجى سكريبال
موضوع الحرب الدائرة اليوم والتصعيد الذى وصل إلى حد طرد دبلوماسيين روس، ورفع الأمر إلى حلف الناتو ومجلس الأمن.
روسيا تتمسك بالإنكار ودبلوماسييها ومنهم سيرجى لافروف وزير الخارجية، والناطقة بلسان الكريملين زخاروفا يسخرون من
اتهامات بريطانيا ويعتبروها امتدادا لهواجس الشعور بالمؤامرة التى أصابت الغرب بريطانيا وألمانيا وغيرهما، وفى الواقع أن روسيا تتهم الغرب بأنه يسعى للتجسس، وأن تبادل الجواسيس فى 2010 دليل على أن الطرفين يمارسان اللعبة نفسها أن الغرب هو الذى يبالغ فى الشكوى، من توظيف بوتين للإعلام ومواقع التواصل التى ظلت لعبة يتفوق فيها الغرب.
وعندما تصورت أجهزة الاستخبارات الغربية أنها امتلكت السبق واجهت العمليات الروسية، وهو ما قد يفسر الشكاوى المتكررة،
البريطانية والأمريكية.
روسيا تواجه كل هذه الشكاوى بالإنكار، وتشير إلى غياب الأدلة من أجهزة الأمن والمعلومات الغربية لتقديم أدلة تعجز غالبا عن
تقديمها.
لكن التصعيد مستمر من قبل رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماى، واتهامها روسيا بالتدخل فى السياسات الأوروبية بينما
يستعد فلاديمير بوتين لفترة رئاسية جديدة ويتعامل ببرود تجاه التهديد ولسان حاله يقول إن الغرب كان يملأ روسيا بجواسيسه
يشكو من تدخلات الجواسيس، ويتهم موسكو بمحاولة اغتيال جاسوس متقاعد جندته بريطانيا هو سيرجى سكريبال، الذى
تعرض لمحاولة تسميم بالغاز ويمثل معضلة مزدوجة تشير إلى أن التجسس سباق مستمر بين روسيا والغرب، وكأن الحرب
الباردة لم تنته .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة