بين الواقع والخيال ثمة خيط رفيع تكشفه بعض الحوادث الإنسانية اللافتة، فتجعلك فى حيرة من أمرك، متسائلاً: هل ما حدث محض خيال أم أن الواقع يستلهم يومياته من الخيال؟، ربما تكون قد سبق وطرحت على نفسك هذا السؤال وأنت تقرأ رواية، أو خبرًا فى إحدى الصحف المحلية أو العالمية.
هذه المقدمة أو هذا السؤال فرض نفسه على أى قارئ راح يقلب مواقع الصحافة العالمية اليوم، ليجد نفسه أمام واقعة ممزوجة بالخيال الروائى، وهى أن مواطنًا من رومانيا، عاد إلى وطنه بعد مرور 26 عامًا، انقطعت خلالها كل سبل التواصل معه، كما تخربنا وكالة أسوشيتد برس الأمريكية، حتى الآن تبدو الواقعة عادية، لكن المدهش فى الأمر، هو أمن زوجته قام باستخراج شهادة وفاة لزوجها قسطنطين ريليو، البالغ من العمر 63 عامًا، ليجد نفسه أمام مأزق وهو إثبات أنه ما زال على قيد الحياة، ليقدم أوراقه الشخصية، التى تثبت أن كان يعيش فى تركيا منذ 1992.
المأزق الذى يواجهه قسطنطين ريليو، هو أن محكمة فاسلوى، رأت أن المواطن الرومانى تأخر كثيرًا فى تقديم الطعون وإثبات أنه على قيد الحياة، معتبرة الحكم نهائيا وغير قابل للطعن.
ومن هنا قامت الحكومة التركية فى عام 2018، بترحيله إلى وطنه الأم، بسبب قدم وثائقه الرسمية، ومن هنا اكتشف واقعة موته، ليجد نفسه أمام مستقبل مبهم، لا يعرف ما الذى يفعله، وربما تخبرنا وسائل الإعلام فى الأيام المقبلة عما حدث له.
ولأن الرواية تعتنى بالتفاصيل التى ينتبه إليها التاريخ الرسمى فى معظم الأحيان، ولأننا أمام حالة إنسانية يظنها أى قارئ أنها محض رواية، فكان علينا أن نسأل كتاب الرواية العربية، لو أن هذه الواقعة كانت بداية لمشروع رواية فكيف ستتناولها.
فى البداية، قال الكاتب طارق إمام، فى تصريحات لـ"اليوم السابع": "من المؤكد أننى كنت سأفضل كتابة هذه الواقعة فى رواية أصوات، أى تقديم وجهة نظر الزوجة، والزوج العائد"
ويوضح طارق إمام، أنه كان سيعتمد فى رواية الأصوات، على تقديم فصل للزوجة، تتحدث فيه عن زوجها "الميت"، وفصل للزوج يتحدث فيه عن رحلته، وكذلك بالتبادل بين الفصول، وفى نفس الوقت، سيجعل من الزوج كاتبًا يكتب رواية ثانية داخل الرواية نفسها، معطيا لها بعدًا اجتماعيًا، وبعد آخر فنى، وهو الأهم من وجهة نظر طارق إمام.
أما الكاتب أحمد القرملاوى، فكانت له وجهة نظر أخرى، وهى أنه سوف يكتب هذه الشخصية من زاوية توراتية، وتحديدًا قصة عودة الابن الضال، ذلك الابن الذى اختفى عن العالم وتاه ومن ثم يقرر العودة، كأنها رحلة غفران، وذلك فى سياق الإنسان التائه فى رحلته الإيمانية ومن ثم العودة، وكيف يستقبله العالم، وهل سيدخل عالم الملكوت أم سيظل مرفوضًا.
ويوضح أحمد القرملاوى أن نظرته الروائية سوف تتمثل فى سلطة السماء التى أخرجت هذا الرجل من عطفها ورحمتها، ومن ثم يحاول العودة مجددًا إلى رحمتها بعد اكتشافه للإيمان، ومراجعته لحالة نبذة من السلطة الوضعية.
أما الكاتبة نورا ناجى، فقالت: من المؤكد سوف تكون روايتي من وجهة نظر السيدة، هذا الحادث ليس بالغريب على الدراما المصرية بالذات، لكنه تم تناوله فى عدة أفلام بشكل كوميدى يعتمد على المصادفات المذهلة التى أدت فى النهاية لهذا الموقف الشائك، لكنه فى حقيقة الأمر موقف مأساوى للغاية، بالذات بالنسبة للمرأة.
وتضيف نورا ناجى: "الرجل سيعود فى النهاية لهويته وبلده وحياته، أما المرأة، فهى الآن تشعر بالكثير من المشاعر المضطربة، قد يراودها مرة الإحساس بالذنب لأنها تخلت عن زوجها ولم تنتظره رغم أن هذا غير صحيح، ومرة أخرى ستشعر بالغضب العارم، تجاه نفسها وزوجها والعالم، هذا الرجل تخلى عنها لسنوات طويلة ثم يعود ليطالب بحقه وحياته، واتجاه العالم الذى سيقف حتماً فى صفه، متهمين إياها بخيانة غير حقيقية، لكنها حقيقية بالنسبة لوجهة نظر المجتمع في أى بلد فى العالم".
وتتابع نورا ناجى: سوف تشعر المرأة أيضًا بالإنكار خاصة لو كانت تزوجت من آخر، وبالإحراج والرغبة فى إثبات أن الرجل الأول كان ماضٍ وانتهى لزوجها الحالى، فستظهر قاسية جدًا رغم أنها ليست كذلك، بإجمال، المرأة هنا ستمنحنى هذا الخليط الهائل من المشاعر الذى احتاجه فى رواية، بينما سيبدو الرجل مجرد عامل، عنصر لازم لسير الحكاية.