قرأت لك.. "طقس سيئ" رواية ترصد حالات التهميش للمواطن الفرنسى

الأحد، 18 مارس 2018 07:00 ص
قرأت لك.. "طقس سيئ" رواية ترصد حالات التهميش للمواطن الفرنسى رواية طقس سىء للكاتبة الفرنسية مارى ندياى
كتب بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

إن التهميش الذى يتعرض له المواطن الفرنسى هو ما جعل الكاتبة الفرنسية مارى ندياى، ترصده من خلال واقعة غريبة فى إحدى القرى التى تتغير بفعل الطقس، وهو ما نتعرف عليه من خلال قراءة رواية "طقس سيئ" التى أصدرها مشروع كلمة للترجمة، التابع لدائرة الثقافة والسياحة، فى أبوظبى، ونقلتها إلى اللغة العربية المترجمة مارى طوق.

فى البداية يعرفنا مشروع كلمة للترجمة أن أعمال مارى ندياى تجمع بين الواقعى إلى الفانتازيا والرمزى، وغالباً ما يسود فى أعمالها تأرجح مقصود وثرى بالدلالات بين مستويات التعبير هذه. فتجد لديها غرابة وألفة فى آنٍ معاً، من نمطِ ما سمّاه فرويد الألفة الغريبة أو المقلقة.

أحداث رواية طقس سيئ للكاتبة الفرنسة مارى ندياى

وتدور رواية "طقس سيئ" حول قصة هرمان، وهى تندرج أيضاً فى أجواء الاستبعاد التى تحفل بها روايات ندياى، كما تصور استحالة التواصل أو صعوبته القصوى. إلا أن هفوة صغيرة تقف وراء مأساة عريضة تنميها الرواية: فهرمان، معلم الرياضيات، وزوجته روز وابنهما الصغير معتادون على الاصطياف فى هذه القرية الصغيرة التى تصورها الرواية، والواقعة غير بعيد عن باريس. لسبب غير معلوم يتأخرون عن العودة إلى باريس فى نهاية أغسطس تماماً، كما يفعل بقية المصطافين. والحال أنه ما إن يحل مطلع سبتمبر حتى يتبدل الطقس ويسوء، وتتحول طباع القرية برحيل المصطافين الذين تعتاش من زياراتهم الصيفية، وتكشف عن وجهها الحقيقى.

سوء الطقس وتبدل طباع الأهالى يتكافلان بقوة ويكاد الأول يكون رمزاً للثانى أو مبرراً له. ذات صباح باكر تذهب الزوجة وابنها لشراء البيض من مزرعة مجاورة ثم لا يعودان. وبعد بحث طويل وحافل بمفاجآت يشغل وصفها مساحة هذه الرواية، يكتشف هرمان أنهما بقيا فى القرية، ولكن تعرضا إلى تحول أو امتساخ.

وعلى الرغم من تموقع العمل قرب باريس يبدو السكان، بملامحهم الجسمانية وشعورهم الغامضة الشقرة، بعيدين كل البعد عن سكان العاصمة فى اختلاف مكوناتهم وأصولهم. إلا أن الإطار هنا واقعى ومغرب نوعاً ما فى الأوان ذاته. ويمكن لهذه المأساة أن تحدث فى كل مكان.

هذه الرواية هى رواية ندياى الخامسة، كتبتها وهى فى سن السابعة والعشرين، السن التى يبدأ فيها بعضهم مجرد بداية بمعالجة الحقائق الأساسية للوجود، ولكن نراها وهى تعالج فيها أعمق الأسئلة وأخطرها. أسئلة تمسّ الهوية، والتهميش المنظم، وصراع الجماعة والفرد الأعزل، وتصادم القانون الضمنى أو المستتر والوعى الشفيف.

رواية طقس سيء للكاتبة الفرنسية مارى ندياى
 

المواطن الفرنسى والتهميش

غرابة القرية ينبغى ألا تخفى علينا محمول الرواية السوسيولوجى والسياسى. مزيج الغرابة والألفة وشاعرية الوصف وقوة الاستبطانات النفسانية هى لدى مارى ندياى أفضل طريقة لإيصال محمول سياسى يدور حول مسألة الإقصاء والتمييز السافر أو المستتر ورفض المختلِف أو غير المتطابق.

صعوبة الاندماج: كيف ينخرط المرء فى المحيط دون أن يتخلى عن حصة مضيئة من روحه، "حصة الغريب"، أو دون أن يتنازل عن فردانيته الثمينة وفرادته؟

إن التهميش الذى يتعرض له المواطن الفرنسى بمجرد قيامه بانزياح بسيط، فيصير غريباً وشبه منبوذ فى قرية سياحية يفترض أنها عائدة إلى بلده نفسه، يمكن التوسع فى قراءته لنرى فيه رمزاً لأنماطٍ تهميشٍ أخرى.

هذا ما يحدونا إلى التفكير فى اختلاف مارى ندياى نفسها فى الساحة الأدبية الفرنسية، اختلاف جعل منها كاتبة على حدة ودفع بعض النقّاد إلى التساؤل عن تصنيفها: فرنسية أم فرانكفونية؟ وهو تساؤل لا مبررات له على صعيد الفن. فصحيح أنها ولدت لأب أفريقى، ولكنها لم تعش فى أفريقيا قط. وصحيح أن حضور الغرباء وذوى الشخصيات المتفردة والموسومة بافتراقها العميق عن السائد ماثل فى أعمالها بقوة، إلا أن الروائية إنما تثرى بذلك الأدب الفرنسى وتؤشر فى الأوان ذاته على أزمته الطاغية عليه منذ عقود من السنوات.

سلسلة روائع الأدب الفرنسى الحديث

وأدرج مشروع كلمة ترجمة رواية "طقس سئ" ضمن سلسلة روائع الأدب الفرنسى الحديث، والتى يشرف عليها ويراجع أعمالها كاظم جهاد، وقد سبق وأصدر المشروع للكاتبة نفسها ترجمة رواية "ثلاث نساء قديرات".

ولدت الكاتبة مارى ندياى فى النورماندى بفرنسا، لأم فرنسية وأب سنغالى لم تعرفه حقاً، ونشأت هى وأخوها الوحيد (هو اليوم باحث وأستاذ فى علم التاريخ معروف) فى الضاحية الباريسية بور لا فى كنف والدتهما المعلّمة.

أصدرت الكاتبة مارى ندياى روايتها الرواية ولم تكن قد تجاوزت 17 سنة، وهى رواية "أما عن المستقبل الثرى" فى منشورات مينوى الباريسية فى 1985. ثم توالت أعمالها، روايات وقصصاً ومسرحيات، وكتابات للناشئة، يدور أغلبها حول الاستبعاد والتهميش والمجابهة الأليمة والشرسة لاضطراب الهوية وتناقضات العصر ومشقة الاضطلاع باختلاف مؤسس للكيان.

أما عن المترجمة مارى طوق، فهى كاتبة ومترجمة من لبنان، من مواليد 1963، حصلت على إجازة فى الأدب الفرنسى من الجامعة اللبنانية عام 1990، وتقيم وتعمل حاليًا فى مجال التعليم فى مدينة جبيل بلبنان.

نشرت مارى طوق قصصاً قصيرة ومقالات نقدية فى الصحف اللبنانية والعربية، ونقلت إلى الفرنسية قصائد لعباس بيضون وعبده وازن ومجموعة سيناريوهات للمخرجة الراحلة رندا الشهال.

ترجمت مارى طوق إلى العربية عدداً من الأعمال الأدبية منها "الجميلات النائمات" لياسونارى كواباتا، و"المرأة العسراء" لبيتر هاندكه، و"خفة الكائن التى لا تُطاق" لميلان كونديرا، و"أوريليا" لجيرار دونرفال، و"تاريخ بيروت" لسمير قصير، و"ملْك الغائبين" لإلياس صنبر، و"المثقّفون" لسيمون دوبوفوار، و"جبل الروح" لغاو شنغجيان (بالاشتراك مع الشاعر والمترجم الراحل بسّام حجّار).

وأصدر مشروع "كلمة" عدة ترجمات أدبية لها، منها "العصفور الأزرق وحكايات أخرى" لمارى كاترين دونوا، و"نصوص الصِّبا" لغوستاف فلوبير، و"بنيّات اللهب" لجيرار دونرفال وثلاث روايات لمارى ندياى.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة