مشهد الحضور الكثيف أمام اللجان فى أنحاء العالم من المصريين فى الخارج يحتاج إلى قراءة وتحليل لمشهد يبدو مفاجئا، ومن المهم فهمه لمن يريد أن يعرف وليس لمن يريد أن يبقى عند نقطة التأييد أو المعارضة.
هو أحد الدروس الكثيرة التى تفيد محللى السياسة فى فهم الجمهور والشعب بعيدا عن النظريات الجامدة، وأيضا بعيدا عن التحليلات الباحثة عن لايكات أو تصفيق، مع البقاء فى تهاويم المصطلحات والشعارات الخشبية، وللأسف بعض هؤلاء لا يخدعون أنفسهم، وإنما يضللون غيرهم طوال سبع سنوات دون أن يقدموا رؤية متماسكة لتصور محدد.
لم يكن أحد يلوم المصريين فى الخارج إن لم ينزلوا بكثافة للتصويت أمام اللجان الانتخابية بالخارج، فالنتيجة محسومة، ثم إن المصرى بالخارج له انشغالاته فى بلد المهجر، فضلا عن أنه ربما ليست له مصالح ومطالب من السلطة، ناهيك عن أن المواطن فى المهجر بعيد عن تأثيرات الإعلام، وهناك نظريات لا تعرف مصدرها، لكنها رائجة لدى خبراء التحليل الإعلامى تقول: إن الإعلام لدينا لا يؤثر بالخارج.
كل هذه المعطيات ومع هذا نزل المواطنون المصريون بكثافة وقطع بعضهم مسافات بعيدة أو نزل بالرغم من المرض والإعاقة، وكانت رسالتهم أنهم ينتخبون بلدهم ووطنهم ويصوتون للشهداء الذين يواجهون الإرهاب، ربما يمكن فهم موقف هؤلاء ارتباطا بمشهد السيدات الكبيرات فى السن، وهن يتسابقن للتبرع بأموال ومصاغ للتنمية فى سيناء أو للصناديق التى تمول مشروعات عامة، تأكيدا لشعورهم بجدية هذه الصناديق، ولا يمكن اتهام سيدة فى السبعين من عمرها بأنها تطلب لنفسها منصبا أو مكانة أو أنها تريد خدمة خاصة، ومن الطبيعى أن يفكر الشخص الطبيعى فى مدى إحساس السيدات بأهمية الدولة، وأهمية التنمية وشعور ببساطة، ومن دون تنظير بوجود أمل كبير وتطلع نحو المستقبل لأبنائهن وأحفادهن.
نفس الأمر فى حالة الصمود الكبيرة والقوة فى أصوات وأداء أمهات الشهداء اللائى ظهرن فى المشاهد الأخيرة، وكيف تتحدث أمهات وزوجات الشهداء عن الوطن، وتفخر كل منهن بابنها وأبناء البلد ممن يخوضون معركة كبرى فى مواجهة إرهاب تظهر نتائجه فى دول تفككت وأمم تفسخت.
ويكتمل هذا الأمر مع سيدات وشباب وكهول قطعوا مسافات بعيدة ليذهبوا ويصوتوا فى انتخابات رئاسية، ولا يمكن المزايدة على أن هؤلاء لدى أى منهم مطلب أو رغبة فى منصب أو مكسب.
كل هذا المنطق البسيط واضح على العكس من منطق بعض كبار «خبراء العمق العميق الملفوف فى بوستات تويتية»، يجلس الواحد منهم ويملاه شعور زائف بالعلم العميق والفهم المتعالى، يسخر من الجمهور والشعب وبالطبع هو ليس من محبى الإخوان، لكنه يريد اللايك، وأن يظهر فى صورة العميق الفاهم جدا، الذى لديه موقف مستقل، وإذا سألته عن هذا الموقف المستقل لن تجد لديه الكثير من الإجابات ولا القليل غير «همهمات تائهة فى براثن التماهى الغائب».
أحدهم يلوم على المصريين نزولهم بالخارج، وهو نفسه حرر توكيلا لمرشح انسحب قبل أن يترشح، ويشيد به موكل وأيضا منسحب أو متكعبل، وسبق له أن صوت لمرشح لم يحصل على أصوات شارعه، ومن حق هذا العميق أن يتخذ ما شاء من مواقف، لكن لا يغضب عندما يراه البعض مصابا بنوع من العبط السياسى، أو التلبك الشعاراتى، وأن بوستاته تمثل التفاهة وتفتقد إلى البعكشة الاستراتيجية، وربما على هذا العميق أن يسعى لتجاوز الإنشاء الخشبى المقولب الخالى من المعانى، ربما يكون منظرو السياسة بحاجة للتواضع للتعرف على جمهور يفترض أنهم يتوجهون إليه، بدلا من البقاء عند حالة الغضب أو القنوط التى لا تنتج غير المزيد من الجمود.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة