هى حياة لا تعرف الموت، إنها ذلك الخلود الأبدى الذى يحمل فى جوهره أسمى معانى التضحية والفداء والحب للوطن، أتحدث هنا عن التضحية والشهادة فى سبيل الوطن بتقديم الروح فى سبيل طهارته وقداسته وبقائه منيعاً حراً شامخا بدماء أبنائه الشهداء الأبرار عبر التاريخ، والواقع إنه لا توجد لحظة حزن تعادل لحظة الكتابة عن شهيد ذهب فى سبيل الوطن والدفاع عنه وعن مكتسباته وتنفيذ رسالته النبيلة فى نشر المحبة السلام والأمن، ولا أنكر أننى شعرت بقدر من مرارة الحزن وأنا اكتب هذه الكلمات عن شهداء الوطن، ولكنه حزن مشبع بالغبطة والاعتزاز بهم كونهم شهداء، والشهيد كما نعلم رفيق الأنبياء فى الجنة، وصاحب الروح الطاهرة التى ضحت بنفسها لأجل إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، فالشهادة شرفٌ لا يناله إلا من تمكن الإيمان فى قلبه، وجعل حب الله تعالى هو الحب الأول والأخير بالنسبة له، ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى للشهيد كرامات عدة، أولها أنه الله يغفر ذنوبه جميعاً بأول دفقةٍ من دمه، كما يرى منزلته العظيمة التى أعدها الله سبحانه وتعالى له فى الجنة، ويشفع لسبعين من أقاربه، فيا له من شرفٍ ليس بعده شرف خص الله به الشهيد دون الجميع، لأن التجارة مع الله سبحانه وتعالى هى دائماً تجارة رابحة ولا تبور أبداً .
الشهيد يصنع مجد الأمم وكرامتها، ويُحلق بالأوطان إلى أعلى المراتب، فمن يُقدم دمه فداءً، يُخيف الأعداء حتى وإن رحلت روحه إلى الرفيق الأعلى، لأنه يبعث لأعدائه برسالةً واضحةً بأن الشهيد سيتلوه شهيد، وأن الخير باقٍ ما دامت النفوس تأبى الذل والمهانة وتبحث عن عزتها وتضحى بدماء أبنائها الطيبين، فالتراب الذى لا يختلط بدم الشهيد لا يمكن أن يكون تراباً عطراً، والأرض التى لا يُدفن فيها شهيد لا يمكن أن تدوم، فالشهداء هم القناديل المضيئة فى ظلمة الحياة، وهم رجال المهمات الصعبة، وهم زوادة الوطن ومستقبله المشرق، ومن هؤلاء جميعا الشهداء الأبطال من الكتيبة (103 صاعقة) مصنع الرجال وموطن الشهادة التى ذاع صيتها مؤخرا عبر أغنية يردد بعض أفرادها بعنوان "قالو إيه" تقول كلماتها :
قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه
منسى بأه اسمه الأسطورة
من أسوان للمعمورة وقالوا إيه
شبرواى وحسنين عرسان
قالوا نموت ولا يدخل مصر خسيس وجبان
وقالوااا إيه
ما تعلوااااااا شوية
خالد مغربى دبابة
بطل وجنبه إحنا غلابة وقالوا إيه
أرفع بالصوت
قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه
العسكرى "على" من الشجعان،
العسكرى "على" من الشجعان.. مات
راجل وسط الفرسان وقالوا إيه
مش سامع حاجة
أبطالنا فى سينا.. طيرانا فوقينا
حاميين أراضينا
والدور جه علينا، قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه
والحقيقة أن بطولات وتضحيات "الكتيبة 103" ليست حديثة العهد، بل تعود إلى فترة ما بعد حرب النكسة مباشرة، إذ كانت الكتيبة جزءًا من (المجموعة 39 قتال)، وهى مجموعة قوات خاصة أنشئت عقب نكسة يونيو 67 تحت قيادة الشهيد "إبراهيم الرفاعي"، وتألفت من مزيج من قوات الصاعقة البرية والبحرية، وشاركت المجموعة فى حربى الاستنزاف وأكتوبر، وبداية نشأة "المجموعة 39 قتال" كان من خلال الصاعقة البحرية، قبل أن ينضم إليها كتيبة 93 صاعقة البرية، وسرية من الكتيبة 103 من الصاعقة البرية، واختار "الرفاعى" رجاله من المشهود لهم بالكفاءة والشجاعة، والمعروفين بقدراتهم القتالية العالية، ثم تطورت تلك الجماعة إلى فصيلة، وبتعدد العمليات تطورت إلى سرية، التى يصل عددها إلى نحو 90 فردًا ما بين ضابط وصف وجندي، إلى أن أصبح عدد العمليات التى قامت بها هذه السرية 39 عملية، فتطورت السرية إلى تشكيل أطلق عليه (المجموعة 39 قتال)، نسبة إلى عدد العمليات التى قاموا بها قبل تشكيلها الرسمى.
ويجدر بالذكر هنا أن هذه المجموعة عرفت بأنها كانت مصدرا للرعب والدمار بالنسبة للعدو الإسرائيلى، قدمت تضحية كبيرة فى بداية نشأتها باستشهاد قائدها "الرفاعى" خلال حرب أكتوبر، يوم الجمعة 19 أكتوبر 1973- 23 رمضان 1393، والذى لم ينس الشهيد العقيد "رامى حسنين" قائد الكتيبة "103 صاعقة" أن ينعيه على صفحته على موقع "فيس بوك" قبل أن يستشهد هو الآخر يوم 29 أكتوبر 2016، كما أن تضحيات الكتيبة 103 فى حرب أكتوبر لم تتوقف عند استشهاد قائدها، إذ لحق به المجند محمد طه الذى اشتبك مع 6 عناصر من جنود العدو فى أراضى سيناء من أجل فداء المدرعة التى يحتمى بها أصدقاؤه ليسطر اسمه بطلًا شهيدًا أيضًا من أبطال الكتيبة 103 صاعقة، إلى جانب 29 جنديًا من جنود الصاعقة المصرية فى نفس الكتيبة الذين ضحوا بأنفسهم فى حرب أكتوبر.
وعلى مدار السنوات الماضية لم تتوقف "الكتيبة 103 صاعقة" عن تقديم العديد من رجالها شهداء فداء للوطن، فإلى جانب العقيد رامى حسنين، قدمت الكتيبة 103 أيضًا المجند محمد أيمن، الذى أنقذ 8 من زملائه : ضابطان و4 جنود واثنان من السائقين بفضل الحزام الناسف الذى كان يحمله أحد العناصر التكفيرية الضالة لتفجير الموقع الذى كان تتم مهاجمته فى قرية المساعيد بمدينة العريش، ولقد ارتبط اسم كتيبة "شهداء مصر تحت الطلب" ببطولات وتضحيات خلال الحرب على الإرهاب فى شمال سيناء، فاعتادت تقديم أبطال كل يوم فداء للوطن، وعاد اسمها فى الظهور مرة أخرى فى ملحمة بطولية صباح الجمعة 7/7/2017، بعد استشهاد وإصابة 26 من عناصرها، وذلك أثناء إحباط قوات إنفاذ القانون بشمال سيناء هجوما إرهابيا للعناصر التكفيرية على بعض نقاط التمركز جنوب رفح، وأسفر عن مقتل أكثر من 40 فردًا تكفيريًا، وتدمير 6 عربات.
الهجوم الإرهابى الذى خلَّف وراءه 26 بين شهداء ومصابين، حاول النيل من الكتبة (103 صاعقة)، تلك الكتيبة التى ربما لا يعرف الكثيرون عن بطولاتها عبر التاريخ، فمنذ 9 أشهر قبل هذا الحادث الأليم استشهد العقيد رامى حسنين، قائد الكتيبة السابق، فى إحدى العمليات الإرهابية، ونعاه الشهيد العقيد أحمد منسى قبل أن يلحق به مسطرا بطولة نادرة جعلت منه أيقونة هذه الكتيبة موطن البطولات والشهداء، وربما كان من الصفات التى جعلت منه أيقونة أنه اتسم بشجاعته وأخلاقه النبيلة، وتواضعه طوال فترة ﻋﻤﻞ كبيرة فى ﺷﻤﺎﻝ ﺳﻴﻨﺎء، حيث كان دائمًا يرثى زملاءه الأبطال الذين استشهدوا، ويبعث الطمأنينة فى قلوب ذويهم، وكأنه يشعر بأن الموت قريبًا منه، لذا فتوج أجمل المعانى عن رسالة شهيد الوطن، لكى تحفر فى قلوب أهله؛ ليفتخرون به، ويرددون كلماته ويدعون له بالرحمة، فقد كتب "المنسى" ذات مرة فى منشور له على صفحته على موقع التواصل فيس بوك، يرثى أحد زملائه قائلا :
يا قبورا تنادى أسامينا.. ويا موتا يعرف كيف يصطفينا
سطوة الموت لن تغير لقبنا.. فنحن أحياء للشهادة سائلينا
)ميت) لقب من هو دوننا.. والشهيد اسم من بالروح يفدينا
مهنتى الشرف والمجد أجنيه.. وحب القلب للقلب يرضينا
قد قضيت فى الأمن عدد سنين.. وكم قضينا عن الأرض مدافعينا
وكم قضيت هروبا من الموت.. وكم قضينا عن الموت باحثينا
نبحث عن الموت أينما وجد.. وفى الجنة مع إخوة سابقينا
من كان بلا عقيدة فليغادر.. حق عليك وأسأل المقاتلينا
الله أكبر للقلب طربا.. وذكر الله خير الحافظينا
ولأن هناك صفحات فى التاريخ مُخصَّصةٌ لكل أصحاب البطولات الاستثنائية التى ارتبطت بالكتيبة (103 صاعقة)، فقد شهدت إحدى تلك الصفحات وجود مارد سيناء بين صفوفها، وهذا هو المصطلح الذى أُطلق على المجند "محمد أيمن"، الذى قام بعمل فدائى وبطولى مازلنا وسنظل نتحدث عنه وستتوارثه أجيالنا المقبلة، فهذا البطل فى تلك الكتيبة الفدائية، نزل من مدرعته وتقدم صفوف الكتيبة التى كانت فى عملية لمداهمة مواقع لعناصر إرهابية، ووجد عنصرًا داخل عشَّه يرتدى حزامًا ناسفًا ويستعد لاختراق صفوف الكتيبة وتفجير نفسه بها، فأبى أيمن أن يموت رفاقه فجرى واحتضن العُنصر الإرهابى الذى فجَّر نفسه، وقُتل الإرهابى، واستُشهد البطل أيمن ليكتب سطرًا جديدًا من سطور الفدائية للجيش المصرى وأبطاله، ويُخلِّد اسمه فى صفحات الخالدين عبر الزمان ببطولاتهم.
ومن هنا تبقى تلك الحياة الخالدة التى لا تعرف الموت، لتكون دائمًا من نصيب كل شُجاعٍ فدائى قرَّر ألا يترك أرضه وعرضه غنيمةً لإرهابيين أو عصابات مسلحة، تلك الحياة تفتح أبوابها لاستقبال جنودنا الأبطال، الذين استُشهدُوا أثناء تصدِّيهم لعناصر "داعش الإرهابى"، الذين يحاولوا بكل قوة أن يستولوا على نقاط تمركز جيشنا المصرى الباسل، لتأخذ تلك الحياة أبطالنا الشهداء الى عالم الخلود والمجد فى تاريخ العسكرية المصرية، جنبًا الى جنب مع سلفهم من الشهداء الذين استُشهدُوا فى سيناء، وليبقى هذا الزِّى العسكرى ليس مجرد قطع من القماش تجمعت مع بعض خيوطها لتُنتج لنا قطعةً من الملابس، بل إنه زىٌّ يحمل فى أدق تفاصيله خريطة مصر وماضيها وحاضرها ومستقبلها، مصر الوطن الذى يُضحى لأجله خيرة الشباب وهم بالزِّى العسكرى، حيث يبدو لنا أحدهم بعد رحيله المفاجئ فى صورة منفردة له، وفى عينيه نظرات الفخر والاعتزاز.
ونحن نودع شهيدا تلو الآخر نقول لهؤلاء الأبطال : لتحيا عزيزا.. فأنت لم تمت، فقد كنت عنوانا للشجاعة، لتعش أبدا أيها الشهيد الحي، أنت المنسى المذكور دوما على مدار الأيام والتاريخ، وأنت النبراس الحى الباقى أبد الآبدين، وأنت حائط الأمان، دماؤك عطر، وابتسامتك أيقونة عزة للأوطان، عش أبدا أيها الملاك الحارس، عش أبدا أيها الشهيد يا دمعة تستبقيها العينان طوال الدهر لتبقى زادا يعيننا على تحمل كل مشاق الحياة لتظل مصر دوما كما وصفها الشهيد أحمد منسى قائلا :
قاهرة المعز يا مصر الفداء
درة التاج أنت ونبع الصفاء
سألت التاريخ عن يوم مولدك
وهل يشهد الأبناء ولادة الآباء
جذور شجرة بعمر الحياة
أظلت حضارة أنارت الأرجاء
تعاقب الفصول سنة الله
ما بين خريف التاريخ وربيعة العطاء
عواصف ورياح للغصن ضاربة
أصيلة صامدة كصخرة صماء
بلد السلام يا مصر أفديكي
بلد العزة بفخر... بلد الأباء
أرهقنى يااا مصر عشقا
عشق المحارب لسيرة الشهداء
فنحن الصعيد بعزة أهله
ونحن الشمال ..أهل الثناء
ويا نوبة الجنوب يا طيبة
ويا أهل البداوة قاطنى سيناء
بكل شبر فى أرضك الطاهرة
يحيا الجيش بشعبة العظماء
يتربص الأشرار بصفوة الأخيار
فوالله..لا نامت أعين الجبناء
خصبة أرضك تنبت الأبطال
وقصة شهيدك تملأ الأصداء
شعبك الأبى العصى على الطغاة
أحن من أم الرضيع على الضعفاء
يحرس أرضك أسدك الضارية
ناجزة سيوفهم على الأعداء
يلى الشهيد نداء ربا
وقصاصة وثارة قبل العزاء
وقبيل أن أرحل أوصيكم ونفسي
بوطن يستحق منا العناء
تحية على من وهب الروح والجسد
وسلام على من انتقى الكفن كرداء
وأخيرا ليس آخر: هل يمكن أن تحتفى الدراما المصرية فى عز أوجها الحالى بنماذج من هؤلاء الشهداء الذين منحونا فرصة العيش بأمان، بينما أرواحهم ماتزال ترفرف حولنا فى كل يوم وليلة؟.
محمد حبوشة ، الكتيبة 103 صاعقة ، الجيش المصرى ، مواجهة الارهاب
الكتيبة "103 صاعقة".. موطن العزة والكرامة
محمد حبوشة
هى حياة لا تعرف الموت، إنها ذلك الخلود الأبدى الذى يحمل فى جوهره أسمى معانى التضحية والفداء والحب للوطن، أتحدث هنا عن التضحية والشهادة فى سبيل الوطن بتقديم الروح فى سبيل طهارته وقداسته وبقائه منيعاً حراً شامخا بدماء أبنائه الشهداء الأبرار عبر التاريخ، والواقع إنه لا توجد لحظة حزن تعادل لحظة الكتابة عن شهيد ذهب فى سبيل الوطن والدفاع عنه وعن مكتسباته وتنفيذ رسالته النبيلة فى نشر المحبة السلام والأمن، ولا أنكر أننى شعرت بقدر من مرارة الحزن وأنا اكتب هذه الكلمات عن شهداء الوطن، ولكنه حزن مشبع بالغبطة والاعتزاز بهم كونهم شهداء، والشهيد كما نعلم رفيق الأنبياء فى الجنة، وصاحب الروح الطاهرة التى ضحت بنفسها لأجل إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، فالشهادة شرفٌ لا يناله إلا من تمكن الإيمان فى قلبه، وجعل حب الله تعالى هو الحب الأول والأخير بالنسبة له، ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى للشهيد كرامات عدة، أولها أنه الله يغفر ذنوبه جميعاً بأول دفقةٍ من دمه، كما يرى منزلته العظيمة التى أعدها الله سبحانه وتعالى له فى الجنة، ويشفع لسبعين من أقاربه، فيا له من شرفٍ ليس بعده شرف خص الله به الشهيد دون الجميع، لأن التجارة مع الله سبحانه وتعالى هى دائماً تجارة رابحة ولا تبور أبداً .
الشهيد يصنع مجد الأمم وكرامتها، ويُحلق بالأوطان إلى أعلى المراتب، فمن يُقدم دمه فداءً، يُخيف الأعداء حتى وإن رحلت روحه إلى الرفيق الأعلى، لأنه يبعث لأعدائه برسالةً واضحةً بأن الشهيد سيتلوه شهيد، وأن الخير باقٍ ما دامت النفوس تأبى الذل والمهانة وتبحث عن عزتها وتضحى بدماء أبنائها الطيبين، فالتراب الذى لا يختلط بدم الشهيد لا يمكن أن يكون تراباً عطراً، والأرض التى لا يُدفن فيها شهيد لا يمكن أن تدوم، فالشهداء هم القناديل المضيئة فى ظلمة الحياة، وهم رجال المهمات الصعبة، وهم زوادة الوطن ومستقبله المشرق، ومن هؤلاء جميعا الشهداء الأبطال من الكتيبة (103 صاعقة) مصنع الرجال وموطن الشهادة التى ذاع صيتها مؤخرا عبر أغنية يردد بعض أفرادها بعنوان "قالو إيه" تقول كلماتها :
قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه
منسى بأه اسمه الأسطورة
من أسوان للمعمورة وقالوا إيه
شبرواى وحسنين عرسان
قالوا نموت ولا يدخل مصر خسيس وجبان
وقالوااا إيه
ما تعلوااااااا شوية
خالد مغربى دبابة
بطل وجنبه إحنا غلابة وقالوا إيه
أرفع بالصوت
قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه
العسكرى "على" من الشجعان،
العسكرى "على" من الشجعان.. مات
راجل وسط الفرسان وقالوا إيه
مش سامع حاجة
أبطالنا فى سينا.. طيرانا فوقينا
حاميين أراضينا
والدور جه علينا، قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه
والحقيقة أن بطولات وتضحيات "الكتيبة 103" ليست حديثة العهد، بل تعود إلى فترة ما بعد حرب النكسة مباشرة، إذ كانت الكتيبة جزءًا من (المجموعة 39 قتال)، وهى مجموعة قوات خاصة أنشئت عقب نكسة يونيو 67 تحت قيادة الشهيد "إبراهيم الرفاعي"، وتألفت من مزيج من قوات الصاعقة البرية والبحرية، وشاركت المجموعة فى حربى الاستنزاف وأكتوبر، وبداية نشأة "المجموعة 39 قتال" كان من خلال الصاعقة البحرية، قبل أن ينضم إليها كتيبة 93 صاعقة البرية، وسرية من الكتيبة 103 من الصاعقة البرية، واختار "الرفاعى" رجاله من المشهود لهم بالكفاءة والشجاعة، والمعروفين بقدراتهم القتالية العالية، ثم تطورت تلك الجماعة إلى فصيلة، وبتعدد العمليات تطورت إلى سرية، التى يصل عددها إلى نحو 90 فردًا ما بين ضابط وصف وجندي، إلى أن أصبح عدد العمليات التى قامت بها هذه السرية 39 عملية، فتطورت السرية إلى تشكيل أطلق عليه (المجموعة 39 قتال)، نسبة إلى عدد العمليات التى قاموا بها قبل تشكيلها الرسمى.
ويجدر بالذكر هنا أن هذه المجموعة عرفت بأنها كانت مصدرا للرعب والدمار بالنسبة للعدو الإسرائيلى، قدمت تضحية كبيرة فى بداية نشأتها باستشهاد قائدها "الرفاعى" خلال حرب أكتوبر، يوم الجمعة 19 أكتوبر 1973- 23 رمضان 1393، والذى لم ينس الشهيد العقيد "رامى حسنين" قائد الكتيبة "103 صاعقة" أن ينعيه على صفحته على موقع "فيس بوك" قبل أن يستشهد هو الآخر يوم 29 أكتوبر 2016، كما أن تضحيات الكتيبة 103 فى حرب أكتوبر لم تتوقف عند استشهاد قائدها، إذ لحق به المجند محمد طه الذى اشتبك مع 6 عناصر من جنود العدو فى أراضى سيناء من أجل فداء المدرعة التى يحتمى بها أصدقاؤه ليسطر اسمه بطلًا شهيدًا أيضًا من أبطال الكتيبة 103 صاعقة، إلى جانب 29 جنديًا من جنود الصاعقة المصرية فى نفس الكتيبة الذين ضحوا بأنفسهم فى حرب أكتوبر.
وعلى مدار السنوات الماضية لم تتوقف "الكتيبة 103 صاعقة" عن تقديم العديد من رجالها شهداء فداء للوطن، فإلى جانب العقيد رامى حسنين، قدمت الكتيبة 103 أيضًا المجند محمد أيمن، الذى أنقذ 8 من زملائه : ضابطان و4 جنود واثنان من السائقين بفضل الحزام الناسف الذى كان يحمله أحد العناصر التكفيرية الضالة لتفجير الموقع الذى كان تتم مهاجمته فى قرية المساعيد بمدينة العريش، ولقد ارتبط اسم كتيبة "شهداء مصر تحت الطلب" ببطولات وتضحيات خلال الحرب على الإرهاب فى شمال سيناء، فاعتادت تقديم أبطال كل يوم فداء للوطن، وعاد اسمها فى الظهور مرة أخرى فى ملحمة بطولية صباح الجمعة 7/7/2017، بعد استشهاد وإصابة 26 من عناصرها، وذلك أثناء إحباط قوات إنفاذ القانون بشمال سيناء هجوما إرهابيا للعناصر التكفيرية على بعض نقاط التمركز جنوب رفح، وأسفر عن مقتل أكثر من 40 فردًا تكفيريًا، وتدمير 6 عربات.
الهجوم الإرهابى الذى خلَّف وراءه 26 بين شهداء ومصابين، حاول النيل من الكتبة (103 صاعقة)، تلك الكتيبة التى ربما لا يعرف الكثيرون عن بطولاتها عبر التاريخ، فمنذ 9 أشهر قبل هذا الحادث الأليم استشهد العقيد رامى حسنين، قائد الكتيبة السابق، فى إحدى العمليات الإرهابية، ونعاه الشهيد العقيد أحمد منسى قبل أن يلحق به مسطرا بطولة نادرة جعلت منه أيقونة هذه الكتيبة موطن البطولات والشهداء، وربما كان من الصفات التى جعلت منه أيقونة أنه اتسم بشجاعته وأخلاقه النبيلة، وتواضعه طوال فترة ﻋﻤﻞ كبيرة فى ﺷﻤﺎﻝ ﺳﻴﻨﺎء، حيث كان دائمًا يرثى زملاءه الأبطال الذين استشهدوا، ويبعث الطمأنينة فى قلوب ذويهم، وكأنه يشعر بأن الموت قريبًا منه، لذا فتوج أجمل المعانى عن رسالة شهيد الوطن، لكى تحفر فى قلوب أهله؛ ليفتخرون به، ويرددون كلماته ويدعون له بالرحمة، فقد كتب "المنسى" ذات مرة فى منشور له على صفحته على موقع التواصل فيس بوك، يرثى أحد زملائه قائلا :
يا قبورا تنادى أسامينا.. ويا موتا يعرف كيف يصطفينا
سطوة الموت لن تغير لقبنا.. فنحن أحياء للشهادة سائلينا
)ميت) لقب من هو دوننا.. والشهيد اسم من بالروح يفدينا
مهنتى الشرف والمجد أجنيه.. وحب القلب للقلب يرضينا
قد قضيت فى الأمن عدد سنين.. وكم قضينا عن الأرض مدافعينا
وكم قضيت هروبا من الموت.. وكم قضينا عن الموت باحثينا
نبحث عن الموت أينما وجد.. وفى الجنة مع إخوة سابقينا
من كان بلا عقيدة فليغادر.. حق عليك وأسأل المقاتلينا
الله أكبر للقلب طربا.. وذكر الله خير الحافظينا
ولأن هناك صفحات فى التاريخ مُخصَّصةٌ لكل أصحاب البطولات الاستثنائية التى ارتبطت بالكتيبة (103 صاعقة)، فقد شهدت إحدى تلك الصفحات وجود مارد سيناء بين صفوفها، وهذا هو المصطلح الذى أُطلق على المجند "محمد أيمن"، الذى قام بعمل فدائى وبطولى مازلنا وسنظل نتحدث عنه وستتوارثه أجيالنا المقبلة، فهذا البطل فى تلك الكتيبة الفدائية، نزل من مدرعته وتقدم صفوف الكتيبة التى كانت فى عملية لمداهمة مواقع لعناصر إرهابية، ووجد عنصرًا داخل عشَّه يرتدى حزامًا ناسفًا ويستعد لاختراق صفوف الكتيبة وتفجير نفسه بها، فأبى أيمن أن يموت رفاقه فجرى واحتضن العُنصر الإرهابى الذى فجَّر نفسه، وقُتل الإرهابى، واستُشهد البطل أيمن ليكتب سطرًا جديدًا من سطور الفدائية للجيش المصرى وأبطاله، ويُخلِّد اسمه فى صفحات الخالدين عبر الزمان ببطولاتهم.
ومن هنا تبقى تلك الحياة الخالدة التى لا تعرف الموت، لتكون دائمًا من نصيب كل شُجاعٍ فدائى قرَّر ألا يترك أرضه وعرضه غنيمةً لإرهابيين أو عصابات مسلحة، تلك الحياة تفتح أبوابها لاستقبال جنودنا الأبطال، الذين استُشهدُوا أثناء تصدِّيهم لعناصر "داعش الإرهابى"، الذين يحاولوا بكل قوة أن يستولوا على نقاط تمركز جيشنا المصرى الباسل، لتأخذ تلك الحياة أبطالنا الشهداء الى عالم الخلود والمجد فى تاريخ العسكرية المصرية، جنبًا الى جنب مع سلفهم من الشهداء الذين استُشهدُوا فى سيناء، وليبقى هذا الزِّى العسكرى ليس مجرد قطع من القماش تجمعت مع بعض خيوطها لتُنتج لنا قطعةً من الملابس، بل إنه زىٌّ يحمل فى أدق تفاصيله خريطة مصر وماضيها وحاضرها ومستقبلها، مصر الوطن الذى يُضحى لأجله خيرة الشباب وهم بالزِّى العسكرى، حيث يبدو لنا أحدهم بعد رحيله المفاجئ فى صورة منفردة له، وفى عينيه نظرات الفخر والاعتزاز.
ونحن نودع شهيدا تلو الآخر نقول لهؤلاء الأبطال : لتحيا عزيزا.. فأنت لم تمت، فقد كنت عنوانا للشجاعة، لتعش أبدا أيها الشهيد الحي، أنت المنسى المذكور دوما على مدار الأيام والتاريخ، وأنت النبراس الحى الباقى أبد الآبدين، وأنت حائط الأمان، دماؤك عطر، وابتسامتك أيقونة عزة للأوطان، عش أبدا أيها الملاك الحارس، عش أبدا أيها الشهيد يا دمعة تستبقيها العينان طوال الدهر لتبقى زادا يعيننا على تحمل كل مشاق الحياة لتظل مصر دوما كما وصفها الشهيد أحمد منسى قائلا :
قاهرة المعز يا مصر الفداء
درة التاج أنت ونبع الصفاء
سألت التاريخ عن يوم مولدك
وهل يشهد الأبناء ولادة الآباء
جذور شجرة بعمر الحياة
أظلت حضارة أنارت الأرجاء
تعاقب الفصول سنة الله
ما بين خريف التاريخ وربيعة العطاء
عواصف ورياح للغصن ضاربة
أصيلة صامدة كصخرة صماء
بلد السلام يا مصر أفديكي
بلد العزة بفخر... بلد الأباء
أرهقنى يااا مصر عشقا
عشق المحارب لسيرة الشهداء
فنحن الصعيد بعزة أهله
ونحن الشمال ..أهل الثناء
ويا نوبة الجنوب يا طيبة
ويا أهل البداوة قاطنى سيناء
بكل شبر فى أرضك الطاهرة
يحيا الجيش بشعبة العظماء
يتربص الأشرار بصفوة الأخيار
فوالله..لا نامت أعين الجبناء
خصبة أرضك تنبت الأبطال
وقصة شهيدك تملأ الأصداء
شعبك الأبى العصى على الطغاة
أحن من أم الرضيع على الضعفاء
يحرس أرضك أسدك الضارية
ناجزة سيوفهم على الأعداء
يلى الشهيد نداء ربا
وقصاصة وثارة قبل العزاء
وقبيل أن أرحل أوصيكم ونفسي
بوطن يستحق منا العناء
تحية على من وهب الروح والجسد
وسلام على من انتقى الكفن كرداء
وأخيرا ليس آخر: هل يمكن أن تحتفى الدراما المصرية فى عز أوجها الحالى بنماذج من هؤلاء الشهداء الذين منحونا فرصة العيش بأمان، بينما أرواحهم ماتزال ترفرف حولنا فى كل يوم وليلة؟.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة