قبل أن يأتى الرئيس السودانى عمر حسن البشير للقاهرة سألنى أكثر من صحفى سودانى زميل عن توقعاتى للزيارة، فكان ردى عليهم أن هذه الزيارة مختلفة عما سبقتها من زيارات لعدة أسباب، أهمها على الإطلاق أنها جاءت بعد ترتيب جيد تم بين الجانبين، ومحاولة جادة للوقوف على مواطن الخلاف ومعالجتها بحكمة وتروى بعيداً عن أى صخب إعلامى، أو تبادل للتصريحات السياسية التى تؤثر سلباً على مسار العلاقات بين القاهرة والخرطوم.
الزيارة جاءت بعد عقد الآلية الرباعية التى تم الاتفاق عليها بين الجانبين، وضمت وزيرا خارجية ومديرا مخابرات البلدين، وبعدها الزيارة المهمة التى قام بها اللواء عباس كامل للخرطوم قبل أيام قليلة ولقائه المسؤولين السودانيين وعلى رأسهم الرئيس البشير، فكل هذه اللقاءات والاجتماعات كانت تهدف إلى تنقية الأجواء التى تلبدت بالكثير من الغيوم التى كادت أن تؤثر سلباً، لكن بالحكمة والتروى والهدوء مرت الأمور بسلام، ولا يجب أن نغفل هنا الدور المصرى فى احتواء الأزمة تلو الأخرى، لأن القاهرة تسير على نهج واضح للجميع، وهى أنها تحافظ على علاقات قوية وأخوية مع كل الأشقاء العرب، وتحديداً السودان التى تربطنا بها علاقات وأواصر أخوة ممتدة عبر التاريخ.
بالتأكيد هناك أطراف إقليمية حاولت ولا تزال تحاول إفساد العلاقات السودانية المصرية، لأسباب نعلمها جميعاً، وهنا يجب أن أحيى قيادة البلدين، لتصميمهما القوى للحفاظ على هذا الرصيد القوى والتاريخى الذى يجمع مصر والسودان، وكلى يقين أن وجود الرئيس البشير فى القاهرة وحضوره احتفالية «الأسرة المصرية»، وسط أشقائه المصريين، لم تمر مرور الكرام على الكارهين للبلدين، وأنهم سيحاولون توتير العلاقات من جديد، لكن كلى يقين أيضاً أن البلدين وضعا خارطة طريق للتفاهم المشترك، قادرة على مواجهة أى منغصات قد تظهر مستقبلاً.
أقول إن زيارة الرئيس البشير الأخيرة للقاهرة اختلفت عما سبقتها من زيارات، لأنها جاءت بعد أعداد قوى وتفاهم مشترك، آخذاً فى الاعتبار أن هذا التفاهم موجود، ولا أنسى قبل ثلاثة أعوام تقريباً حينما كنت فى الخرطوم لإجراء حوار مع الرئيس البشير، برفقة الأستاذ أكرم القصاص، رئيس التحرير التنفيذى لـ«اليوم السابع»، والزميل عصام الشامى رئيس قسم التصوير بالجريدة، أن سألت الرئيس البشير عن انطباعه عن الرئيس السيسى، فقال الرجل وقتها «بعد زيارتى الأخيرة لمصر بعدما وصلت إلى الخرطوم قلت لإخواننا فى السودان إنها أول مرة أكون مرتاحا نفسياً لزيارة مصر وأخرج منها مرتاح نفسيا، لأننى حقيقة شعرت بصدق من الأخ السيسى فى بناء علاقة استراتيجية مع السودان»، هذا الانطباع مازال موجوداً لدى الرئيس البشير الذى قال فى مؤتمره الصحفى المشترك مع الرئيس السيسى بالاتحادية الاثنين الماضى: «أول زيارة للرئيس السيسى للخرطوم، أول مرة يجيى رئيس دولة بدون ما يكون فى برنامج للزيارة، أو إجراءات تأمينية، أو حتى إجراءات مراسمية، وجانا الشعور أن الرئيس السيسى لم يهتم بهذه الشكليات، لأنه جاى بلده، السودان بلدك، ومصر بلدنا».
من حفل «الأسرة المصرية»، خرجت رسائل مصرية للمصريين والسودانيين على حد سواء، هذه الرسائل جاءت على لسان الرئيس السيسى الذى جدد الأسس المصرية الواضحة والراسخة فى التعامل مع السودان الشقيق بقوله: «إننى أؤكد قناعة مصر بأن أمن واستقرار ومصالح السودان كانت وستظل دائماً جزءاً لا يتجزأ من أمن واستقرار ومصالح مصر.. ولقد علمتنا التجربة، وكشفت لنا حوادث التاريخ عبر العصور والأزمنة، أن كل تطور إيجابى يحدث للسودان وشعبه يكون له كل الأثر الطيب على مصر وشعبها، والعكس صحيح.. ودعنى أؤكد لكم فخامة الأخ العزيز، أن مصر، حكومةً وشعباً، إنما تتسم سياستها نحو السودان الشقيق دائماً بالحرص الكامل على استقراره وأمنه، والسعى نحو تقدم ورخاء شعبه الصديق، والرغبة فى دعم وتعزيز العلاقات بين البلدين على كل المستويات».
انطباع الرئيس البشير عن الرئيس السيسى، وما قاله الرئيس السيسى فى «الأسرة المصرية»، يمثل ترسيخا جديدا لعلاقات أزلية وتاريخية بين مصر والسودان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة