عندما وقع حادث اشتباه فى تسمم تلاميذ فى المنوفية من وجبة مدرسية أعلنت وزارة التربية والتعليم أن توزيع الوجبة المدرسية لم يبدأ بعد، وخلال حديثه عن الوجبة المدرسية أشار وزير التعليم الدكتور طارق شوقى إلى أياد خفية تعبث فى الوجبة ولم يحدد الوزير هذه الجهة، لكن الإشارة إلى أياد خفية، أو أصحاب مصالح تكررت على مدى شهور، وتتكرر كثيرا فيما يتعلق بوزارة التعليم تحديدا، وكل الوزارات الخدمية التى تتعامل مع الجمهور وتحتاج إلى توريدات وعلاقات تجارية.
الواقع أن وزارة التعليم بالفعل، أكثر وزارة يحيط بها أصحاب مصالح، وكل خطوة فى التعليم هناك طرف أو أطراف يمكن أن تستفيد منها وأطراف يمكن أن تخسر، بدءا من طباعة الكتب، إلى الكتب الخارجية إلى الدروس الخصوصية، التى تعد واحدة من أكثر الأيادى الخفية علانية فى العالم.
الدكتور طارق شوقى لديه تصورات وجاء من أجل مشروع التعليم الذى يمثل نقطة المركز فى أى انطلاق نحو المستقبل، وكما هو معروف أن التعليم فى مصر بوضعه الحالى، نتاج تراكمات استمرت عقودا، تجعل إصلاح التعليم أمرا حيويا، يصطدم بمن يسمون الأيادى الخفية أو أصحاب المصالح.
وبالمناسبة فإن شبكات المصالح التى ترتبط بالتعليم شبه معروفة منذ عقود، هناك شبكات تتعلق بطباعة الكتاب المدرسى، والكتب الخارجية، فإذا تم تحسين الكتاب المدرسى، هناك أطراف تعيش على الكتب الخارجية والملخصات وهؤلاء بالطبع يقاومون تطوير الكتاب المدرسى ولديهم الاستعداد لعمل أى شىء حتى يستمر الكتاب الخارجى ويظل الكتاب المدرسى على حالته.
وبالطبع فإن استمرار الكتاب المدرسى خاليا من المناهج أو المعلومات يمثل عبئا مضاعفا على الدولة، فهو يتكلف مئات الملايين لكنه لا يفيد بشىء ويضطر الطلاب لشراء كتاب خارجى.
ومن مفارقات القدر وبدايات فساد الكتاب المدرسى أن نفس خبراء تأليف الكتاب المدرسى كانوا يصدرون كتبا خارجية، وتزامن هذا الأمر مع بداية صعود دولة الدروس الخصوصية وتحولها إلى وباء يتصاعد ليصل إلى الوضع الحالى، وبالتالى فإن تطوير الكتاب المدرسى يصطدم بمصالح منتجى الكتب الخارجية.
ونفس الأمر فيما يتعلق بالدروس الخصوصية التى أصبحت تمثل تيارا ضخما وشبكات شديدة التعقيد لاشك أن هذه الشبكات تقاوم إلغاء الدروس الخصوصية، وهؤلاء أيضا أياد خفية معلنة.
والحال نفسه يمكن رؤيته فى كل جانب من العملية التعليمية المدارس الفصول المكاتب التوريدات السبورات الكراسى، نحن أمام شبكات تعيش على هذا العالم وكل هؤلاء بلاشك من مصلحتهم أن يبقى الحال على ما هو عليه لأن تطوير التعليم يمكن أن يصطدم بمصالح هؤلاء جميعا.
وكل هذا يجعل وزير التعليم الدكتور طارق شوقى يشير كثيرا وفى مناسبات عديدة إلى «الأيادى الخفية» وأصحاب المصالح، وكانت آخر إشارة فيما يتعلق بالوجبات المدرسية، خاصة أن وزارة التعليم أعلنت أن مناقصة توريد الوجبة المدرسية تقدم لها 60 مصنعا وشركة لم تقبل منها سوى شركتين فقط انطبقت عليهما الشروط.
الأمر الذى يعنى أن هناك أطرافا أخرى لم تقبل ربما تسعى إلى إفشال القائم حتى تبدأ اللعبة من جديد، وقد ظهرت علامات لهذه المساعى فيديوهات واتهامات.
وبالطبع فإن هناك أهمية لضمان نظافة وسلامة الوجبات المدرسية، مع الأخذ فى الاعتبار أن الأيادى الخفية لا تتعلق فقط بالوجبة المدرسية لكنها تتحرك لمقاومة أى تطوير يضر بمصالحها، لهذا فإن تطوير التعليم يبدأ بالتخلص من الأيادى الخفية التى تعمل علنا، وهى عملية ليست سهلة، لأنها تتعلق بتشابكات ولها جذور عميقة داخل المجتمع.
وتجيد الأيادى الخفية الحرب بأدوات مختلفة ولا تتوانى عن استعمال أى أسلحة، والضرب تحت الحزام، بل إن أصحاب المصالح يمكنهم فى أحيان كثيرة أن يرفعوا رايات الصالح العام بينما يدافعون عن مصالحهم.
وبالتالى فإن تطوير التعليم بوصفه أهم خطوة نحو التحديث، وهو مشروع دولة حسبما هو معلن من ملامح التحديث.
ولهذا فإن التطوير والتحديث لا يتعلق فقط بالبناء النظرى، لكنه يتعلق بالإرادة، ويحتاج إلى يقظة فى مواجهة الأيادى الخفية التى تمثل مصالح أوسع كثيرا مما يبدو فى الظاهر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة