المصريون شعب عريق وواع بمصالحه، يعرف متى يتحرك ومتى يشارك فى الأحداث العامة ومتى يلتزم الصمت، ملتفتا إلى أشغاله اليومية وتفاصيل حياته، ومتى يترك الأغراب والخواجات على اعتقادهم بأنه بلا قدرة أو فاعلية، وهو فى كل الأحوال يعرف عدوه من حبيبه وصديقه من كارهه وظهيره المساند من العابر صاحب المصلحة، لذلك لم يكن غريبا زحامهم أمام لجان الانتخابات الرئاسية منذ التاسعة صباح أول أيام الانتخابات الممتدة لثلاثة أيام.
ولم يكن غريبا مشهد الطوابير الطويلة وكبار السن يتحملون بالساعات ليدلوا بأصواتهم، فالمصريون يشعرون بالمسؤولية تجاه بلدهم وأن نزولهم ومشاركتهم فى الاستحقاق الرئاسى هو عمل وطنى حتمى لاستكمال ما تحقق فى جميع المجالات من بناء وتعمير وتنمية وإصلاح، كما يعرفون أن نزولهم ومشاركتهم بكثافة يغيظ الأعداء والمتربصين والراغبين فى تعطيل المسار المصرى، ولهذا نزلوا وشاركوا، بل وأشاعوا أجواء من الفرحة والشعور الوطنى أمام اللجان.
الطوابير الطويلة من الناخبين والزحام على الإدلاء بالأصوات اقترن بالتهانى والدعاء للبلد بالتقدم والازدهار وعموم المصريين بصلاح الأحوال، وهذه ظاهرة لافتة ودالة، المصريون نزلوا بكثافة فى الانتخابات الرئاسية لانتخاب بلدهم والدفاع عنه والمساهمة فى تنميته، وليس لانتخاب شخص بعينه، المصريون البسطاء الصامتون يعرفون جيدا من يحقق لهم ولبلدهم ما يحلمون به فيكلفونه عبر صناديق الاقتراع ويدعمونه أمام الخواجات والمتربصين والأعداء، ومهما زاد الضغط عليه وعليهم يساندونه مساندة مطلقة، ومهما زادت التحديات والصعوبات، يعبرون معه التحديات ويتجاوزون الصعوبات.
فى المقابل، نرى مشهدا عجيبا من الكذب والتزييف فى قنوات الإخوان وأبواق قطر والاستخبارات التركية، وكأنهم يتحدثون عن بلد آخر وعن شعب مختلف، مشاهد بالـ«فوتوشوب» عن لجان فارغة وصور للجان انتخابية لا يقبل عليها أحد، والأبواق تنطلق من جحورها البعيدة فى عواصم التربص والعداء، فلا تنطق إلا بالكراهية والتشويه والسخرية العدمية، دون أن يدروا أن المصريين فى الشارع والبيوت وأمام اللجان الانتخابية والقنوات الفضائية يسخرون منهم ويلعنونهم.
لا خوف على المصريين بعد الآن، لا خوف عليهم من إرهاب غاشم يعتمد على تفجير العبوات الناسفة والعربات المفخخة، لا خوف عليهم من فكر متطرف يحاول استمالة المواطنين إلى حقبة ذهبية بالباطل والبهتان، ولا خوف عليهم من منصات نشر الأخبار الكاذبة والشائعات المغرضة، لا خوف عليهم من إرهاب قطر وتركيا الناعم نعومة الحيات ولا خوف عليهم من أى قوى خارجية ما داموا يمتلكون هذه الروح الوثابة والإصرار والتحدى.
هل نخاف على من يحولون طوابير الانتخابات إلى أجواء احتفالية؟ هل نخاف على السيدات اللاتى يحملن الزهور للجنود والمراقبين فى اللجان؟ هل نخاف على السيدات فى قرانا الجميلة وهن يهتفن ويطلقن الزغاريد أمام اللجان وكأنهن ذاهبات إلى عرس؟ هل نخاف على مواطنين حولوا المشهد الانتخابى إلى مشهد تكافلى واجتماعى، يسألون فيه عن المريض والمحتاج والفقير ويجبرون بخواطرهم؟ هل نخاف على شعب يخرج مسنوه وعجائزه ومرضاه ومعاقوه قبل شبابه ليدلوا بأصواتهم فى الانتخابات؟ لا والله، لا خوف على المصريين ولا هم يحزنون.