لو سألت عينة من 10 أفراد محسوبين على النخبة المصرية عن رأيهم فى الشخصية الأنسب لقيادة البلاد خلال الفترة المقبلة ، سيجيب ثمانية منهم بأن السيسي هو الأصلح والأجدر بكل المقاييس ، ولو سألت 20 فردا محسوبين على النخبة المصرية نفس السؤال سيجيبك 80% منهم نفس الإجابة وسيعددون الإنجازات التى استطاع تحقيقها خلال السنوات الأربعة المقبلة، ومع ذلك لو سألت العينة المختارة عن اتجاههم للمشاركة فى الانتخابات الرئاسية ، ستكون النتيجة صادمة ولا تتعدى 2% من العينة لديهم الحماس للمشاركة فى الانتخابات
وفى المقابل ، لو سألت عينة عشوائية من العمال أو الفلاحين والموظفين الصغار عن رأيهم فى الشخصية الأنسب لقيادة البلاد خلال الفترة المقبلة سيجيبك أكثر من 90% منهم بأن السيسي هو الأجدر والأصلح لقيادة البلاد ، وربما لا يكون لديهم لباقة الحديث ومعلومات متكاملة عن إنجازات السيسي ، لكنهم يختارونه بالوعى الفطرى لدى المصريين الذين ينحازون للصالح العام ، ولو سألت نفس النسبة عن موقفها من المشاركة فى الانتخابات ستفاجأ بأن نسبة المشاركة تقريبا هى نفس النسبة المنحازة لشخص السيسي
نحن إذن أمام حالة غريبة من التناقض بين خطاب النخبة ومواقفها العملية ، لا يعرفها البسطاء الذين يتحركون لاتخاذ مواقف عملية تتطابق مع فطرتهم ووعيهم التلقائى ، الأمر الذى يطرح أسئلة عديدة حول لغز العلاقة بين النخبة المثقفة والسلطة الحاكمة وما لحقها من تشوهات وتحولات تستعصى على الأدبيات التقليدية التى عالجت هذه القضية
نحن حاليا فى لحظة ترشح العلاقة بين النخبة المثقفة والسلطة الحاكمة إلى تناغم غير مسبوق إلا فى حقبة جمال عبد الناصر ، عندما كان النظام الناصرى يتمتع بأكبر ظهير سياسى ونخبوى رغم تقييده للحريات وزجه بكل أطياف النخبة السياسية فى السجون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، فنحن الآن نخوض حربا سياسية واقتصادية شرسة ، كما نخوض حربا عسكرية على الإرهاب وداعميه ومن جهة ثانية تدفع الدولة بمشروعات تنموية عملاقة من وإطلاق مؤتمرات المكاشفة والتثقيف حول تفاصيل الحرب التى نخوضها والنجاحات التى نحققها والفارق بين ما كناه وما وصلنا إليه خلال سنوات قليلة ، الأمر الذى من شأنه جمع الشتات الوطنى وإذكاء الروح المصرية
وبالفعل يحقق النهج الذى تتبناه الدولة نجاحا ساحقا مع الفئات البسيطة والمتوسطة ، أى مع عموم المصريين والمصريات ، لكنه لا يحقق نجاحا كبيرا مع النخبة المثقفة التى يعترف معظمها بكثير من النجاحات المتحققة ويفيدون منها لكنهم ينحازون إلى كليشيهات المعارضة المبتذلة دون أن يكون هناك موضوع للمعارضة أو جذور للخلاف ، أو قد يبرر بعضهم حالة العدمية والميوعة التى يسقطون فيها برفع شعارات فضفاضة وزائفة مثل ضرورة الفصل بين السياسة والثقافة أو الخوف المسبق من احتمالات الدولة الشمولية .
إجمالا ، كشفت الانتخابات الرئاسية الأخيرة ، تقدما كبيرا لبسطاء المصريين على نخبتهم فى الوعى بالمصالح الوطنية العليا ، وضرورة الانحياز فى المعارك المصيرية إلى موقف واضح يمكن إعلانه والدفاع عنه وتحمل مسئوليته ، وهى مفارقة محزنة ، فما أتعس مجتمع تتأخر نخبته فى التعبير عن قضايا الوطن المصيرية ، وتهرب من المواقف المسئولة إلى مستنقع العدمية المظلم
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة