على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" نشر الدكتور عماد أبو غازى، وزير الثقافة الأسبق، عددا من المقتنيات الفنية التى عرضت فى متحف قناة السويس، مؤخرا، بمعهد العالم العربى فى باريس، ومن ضمنها كان نموذج الأولى لتمثال الحرية الذى كان معدا لوضعه على مدخل قناة السويس فى مصر بعد افتتاحها، لكن مساره تغير بعد ذلك.. ونستعرض هنا القصة الكاملة للتمثال.
تمثال الحرية
فى 28 أكتوبر 1886 وقف الرئيس الأمريكى جروفر كليفلاند يحتفل بافتتاح تمثال الحرية وألقى كلمة يقول فيها: "لن ننسى أن الحرية اتخذت لها بيتا فى هذا المكان".
"الليدى ليبيرتى" أو "شارلت بيسر" أو "تمثال الحرية" مسميات لشىء واحد، فالأول هو ما يطلقه السائحون على أشهر مزار سياحى فى أمريكا، والاسم الثانى هو اسم والدة الفنان " بارتولدى" الذى أنشأ التمثال على هيئة من والدته، والاسم الثالث هو الغاية التى يقصد إليها الفنان والذى يترتب عليه أن يذهب لـ"مزار الحرية الدولى" فى نيويورك أكثر من 3 ملايين و500 ألف سائح بالعام.. كل ذلك ليس فى الحقيقة سوى "فلاحة مصرية" رآها الفنان فريديريك أوجست بارتولدى فى مدينة الأقصر وكان سيقيم لها تمثالا فى مدخل قناة السويس فقط لو كانت خزينة الدولة المصرية تحتوى على 600 ألف دولار.
ويتشكل تمثال الحرية من هيئة شابة تحررت من قيود الاستبداد وألقتها عند قدميها، ثم امتشقت بيمناها مشعلا يرمز للحرية، وفى يسراها حملت كتابا نقشوا عليه تاريخ 4 يوليو 1776 للتذكير بيوم إعلان الاستقلال الأمريكى، أما رأسها فكلله صانع التماثيل الفرنسى، فريديريك أوجست بارتولدى، بتاج برزت منه 7 أسنة يقال إنها ترمز للبحار أو القارات.
ويقول البعض بأن فريديريك أوجست بارتولدى كان سيصنع تمثال للفلاحة المصرية بشكل عملاق أيضا، لكنه سيكون لسمراء تحمل الجرة بدلا من المشعل، وكان الاقتراح أن يكون تمثالها فى مكان آخر بدأوا يفكرون وقتها بإقامته لفرديناند ديليسبس، الدبلوماسى الفرنسى صاحب فكرة حفر قناة السويس، بحسب ما يكتبون، والذى أقاموه له فيما بعد عام 1899، مشيرا بيده إلى مدخل القناة من بورسعيد، وهو تمثال كان يغيظ المصريين، خصوصا فى 1956 بعد "العدوان الثلاثى" من إسرائيل وفرنسا وبريطانيا على مصر انتقاما من قرارها بتأميم قناة السويس ذلك العام، فقاموا ونسفوه وأنزلوه عن قاعدته التى ما زالت للآن بلا تمثال.
وبدأت قصة تمثال الفلاحة حين سافر بارتولدى فى 1869 إلى مصر حاملا معه نموذجا مصغرا عن التمثال بطلب من الخديوى نفسه، فاقترحه عليه بديلا عن مشروع تمثال ديليسبس ليأتى كرمز لحرية الملاحة والصداقة بين الشعوب .
لكن الخديوى فوجئ بالتكاليف وخزينة البلاد خاوية مما كان فيها، ولم يبق مال لدفع ما يزيد على 600 ألف دولار كتكاليف للتمثال وقاعدته وملحقاتها، بسبب ما تم دفعه لحفر القناة وحفل افتتاحها، فصرف النظر عن التمثال، وولى الفرنسى بارتولدى وجهه شطر الولايات المتحدة متساهلا مع الأمريكيين أكثر بكثير مما تساهل مع المصريين.
عرض صانع التماثيل الفرنسى أن يكون تمثاله هدية تقدمها فرنسا للولايات المتحدة لمناسبة المئوية الأولى لاستقلالها، مشترطا أن يكون بناء القاعدة على عاتق الأمريكيين، فوافقوا سريعا، ومضى تاركا للمصريين مشروع تمثال أرخص وأصغر صنعوه فى فرنسا بعد 30 سنة لديليسبس، ولم يكلف وقتها 50 ألف دولار مع قاعدته البالغ ارتفاعها 9 أمتار.
كلف "تمثال الحرية" فرنسا مليونين و250 ألف دولار للتصميم والمواد الأولية والنحت والتصنيع والشحن على متن فرقاطة فرنسية حملته مقسما 350 قطعة إلى أمريكا.
والقاعدة التى صممها المعمارى الأمريكى ريتشارد موريس هانت بنيويورك يرى البعض أنها أهم من التمثال نفسه كفن معمارى، وهى ضخمة من الإسمنت والجرانيت وعرضها 47 متراً، أى أطول بمتر واحد من ارتفاع التمثال بدءا من قدميه إلى أعلى الشعلة المضاءة دائما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة