أكرم القصاص

المواطن المتوسط والسياسة.. قبل الانتخابات وبعدها!

السبت، 31 مارس 2018 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كل من تابع الانتخابات الرئاسية، ومن قبلها البرلمانية، سوف يكتشف مؤشرات لايمكن تجاهلها.. أهمها أن الحديث عن السياسة وحولها أكثر من المشاركة والاستعداد للمشاركة.. فقد أثارت دعوة أجهزة الدولة للناس بالنزول والمشاركة بالانتخابات جدلا، حيث يرى مؤيدو الحشد أن الحكومة أو أجهزة الدولة لم تنحز لمرشح ولم تطلب من الناخبين التصويت للسيسى، لكنها طلبت النزول وممارسة الحق فى إبداء الرأى، بينما المعارضون قالوا إن النتائج محسومة، وبالتالى فليس هناك داع لمطالبة الناس بالنزول، بالرغم من أن أصحاب نفس الرأى تحدثوا عن الصورة أمام العالم أكثر مما اهتموا بالصورة أمام الشعب. 
 
لكن أهم ما تكشفه هذه المناقشات أنها تركزت على مواقع التواصل ولم تصل إلى الجمهور المستهدف، لتؤكد أن هناك غيابًا للتنظيم السياسى، سواء المؤيد أو المعارض.. وكثافة من الحديث بالسياسة على مواقع التواصل، لاتنعكس فى الواقع ولا تبدو ذات تأثير ما.. ومن نزلوا فعلوا ذلك نتيجة الدعاوى أو من أجل السيسى، وحتى الأصوات الباطلة منها جزء كان هناك ناخبون كتبوا رسائل تأييد للرئيس، غير مدركين أنهم يفسدون صوتهم، وبعيدًا عن ذلك فإن من أبطلوا أصواتهم عبروا عن رأى، وفى نسبة تأتى للمرة الثانية سابقة للمرشح المنافس.. وبالمقارنة مع الأصوات الباطلة فى أى انتخابات بالداخل والخارج فهى نسبة معقولة، لكنها بالطبع مع باقى النتائج تحتاج إلى تحليل بعيدا عن الاستقطاب.. فهناك نوعان من القراءة، أولهما قراءة معادية تقوم على الإنكار يطرحها الإخوان وتعكسها تغطية قناة الجزيرة وتوابعها من قنوات تركيا، وقراءة أخرى يطرحها معارضون، بعضهم لايمكنه التخلص من تأثير الاستقطاب.. وبعضهم الآخر يحاول أن يقدم رؤية موضوعية، وإن كان هؤلاء يختفون فى زحام الصراخ والضجيج.
 
لكن الظاهر أن الكلام فى السياسة لا ينعكس فى صورة ممارسة وقدرة على إدارة حوار، يطرح فيه طرفان وجهة نظرهما، دون أن يصنف أحدهما الآخر. 
 
وبالطبع يصعب تجاهل تأثير مواقع التواصل والفضائيات والإعلام، أصبحت سلطة يصعب تجاهلها، تؤثر على من يدخلها، مع الأخذ فى الاعتبار أن الشخص خارج «فيس بوك» ليس هو نفسه فى العالم الافتراضى، عالم فيس بوك يصنع حالة من الجماعية يندمج الفرد ضمن مجموع يراه أقرب لأفكاره.. ويكون نفس الشخص خارج عالمه الافتراضى طبيعيًا وأكثر استعدادًا للمناقشة والأخذ والرد.. هذا عن محترفى مواقع التواصل، ممن يشكلون نخبة تتفاوت فى درجات الفهم والمعرفة.. وبالرغم من ما تحتله مواقع التواصل أو الفضاء العام من ضجيج أحيانا، لايمكن القول إنه يعكس بدقة حجم وشكل التمثيل السياسى لكل تيار.
 
وبين التهويل والتهوين، هناك منطقة يسكنها أغلبية المواطنين، المواطن المتوسط الذى يشكل الأغلبية، لا يقف عند حدود التأييد أو الرفض، يأخذ ويعطى مع الدنيا، يرى الأمر من زاوية مصلحته، فى البحث عن توازن الدخل والمصروفات، الأسعار والتعليم والعلاج والانتقالات والخدمات، وفرص العمل.. هذا المواطن يتفاعل أكثر من غيره مع السياسة والانتخابات لكنه يظل ضحية الاستقطابات.. والمفارقة أن هؤلاء هم من يراهنون على المستقبل.
 
ونعود لنشير إلى أن السياسة تفرض نفسها نظريًا على الجمهور، من دون أن تترجم عمليًا، والنتيجة فى الإعلان عن موت السياسة، وهى نظرية كانت موجودة فى عهد الحزب الوطنى، لكنها ظهرت أكثر بعد 25 يناير، عندما كشف الفراغ السياسى عن عجز السياسة عن العمل والمنافسة.. وتظل عند حدود الجدل. 
 
وبعض من يلومون السلطة على غياب السياسة، يفتقدون إلى الفعل السياسى وغالبًا ما تقف أطراف العملية السياسية عند الخيار صفر، من دون المرور بالمراحل الطبيعية، تفاوض وجدل وحوار وقدرة على الوصول إلى حلول وسط.. وتجاوز مرحلة الهتاف، تأييدًا أو معارضة. ثم إن من يتساءلون عن السياسة وينتقدون غيابها، يبقون فى مرحلة رد فعل، يعجزون عن الوصول إلى قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى والجمهور، يمثلون تيارًا واسعًا له رؤى متعددة ومعقدة لاتقف عند تأييد تام أو رفض تام.. وكلما عجزوا عن فهم الجمهور يوجهون له اللوم 
 
والانتقادات، عاجزين عن تفهم كتلة مهمة تمثل آراوها نطاقات الديمقراطية.. كل هذا يدفع إلى ضرورة البحث عن مساحات مشتركة، يمكن التحاور فيها بعيدًا عن الاستقطاب.
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة