لا تريد هيئة الإذاعة البريطانية «BBC» أن تعترف بالخطأ المهنى الجسيم فى فيلمها الوثائقى الفضيحة عن التعذيب فى مصر، لا تريد أن تعترف بجريمتها، ولا حتى تعتذر عنها، فكيف تعتذر الـ«BBC» عن جريمة مع سبق الإصرار والترصد؟ كيف تتراجع منصة «BBC» الاستخباراتية الموجهة عن خطها السياسى، ودورها المرسوم فى قصف العقول المصرية بمواد إعلامية مضروبة، هدفها التشويه وإثارة الفتنة وخلخلة المجتمع؟
الـ«BBC» وسيلة الإمبراطورية البريطانية الاستعمارية الآفلة فى قصف العقول عبر العالم، تحتمى بما تظنه سلطة وسطوة، بتاريخها الطويل فى صناعة الأخبار والمواد الإذاعية والتليفزيونية، وكأن هذا التاريخ الطويل كفيل وحده بحماية الكاذبين إذا كذبوا، والمزورين إذا زوروا! وكأن الأكاذيب الفاضحة الجديدة والمقترنة بصلف استعمارى بغيض لا تكشف أو تحاكم التاريخ المهنى الطويل لـ«BBC»، وتضعه تحت ضوء كاشف جديد، لتوضيح كيف كان طوال عقود وسيلة تشويه وتعمية، وحاملًا لرسائل سياسية موجهة.
هيئة الإذاعة البريطانية اتفقت مع مجموعة من جماعة الإخوان الإرهابية على صناعة فيلم موجه ضمن سلسلة الأفلام الوثائقية النمطية التى تروج لغياب حقوق الإنسان، وانتشار التعذيب فى سجون مصر، ومن سوء حظ أورلا جيورين، مراسلة الـ«BBC»، أو لأن أورلا ومساعديها فى الفيلم الفضيحة راهنوا على صمت المصريين، وتقبلهم لكل ما يأتى من المستعمرين السابقين، وظفوا حالة الإخوانجية منى محمود «أم زبيدة»، التى ادعت أن ابنتها زبيدة مختفية قسريًا، وأنها معتقلة من قوات الشرطة المصرية، وأنها تعرضت وتتعرض للتعذيب والاغتصاب، وتم الترويج للفيلم على أنه ضربة لنظام «السيسى» القمعى، وأن الـ«BBC» ستظل تعرضه على جميع مواقعها لمدة شهر، وما هى إلا ساعات وارتد كيد الإخوان والـ«BBC» إلى نحورهم، ظهرت الفتاة التى تم الترويج بالكذب أنها مختفية قسريًا، وتبين أنها من عائلة إخوانجية، وأمها متعصبة، وكانت تدفعها للمشاركة فى مظاهرات ومسيرات الإخوان، وأنها متزوجة من إخوانجى منذ عام، وأنجبت منه طفلًا، إلى آخر التفاصيل التى باتت معروفة للقاصى والدانى، فماذا فعلت هيئة الإذاعة البريطانية التى تصدعنا بقيم حرية الرأى والمهنية والمصداقية طوال الوقت؟
الـ«BBC» لاذت بحسها الاستعمارى البغيض، بعد أن اتخذت الدولة المصرية ومؤسساتها مواقف صارمة إزاء الهجمة الإعلامية المشبوهة، بدءًا من استعراض وزير الخارجية لتفاصيل القضية أمام لجان حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، مرورًا بموقف هيئة الاستعلامات الشجاع، والتى دعت مؤسسات الدولة والإعلاميين إلى مقاطعة هيئة الإذاعة البريطانية، ومقاضاتها فى المحاكم البريطانية، وانتهاء بإصدار محامى الشعب المصرى، النائب العام، أمرًا بحبس أم الفتاة زبيدة، بطلة الفيلم المزيف 15 يومًا احتياطيًا على ذمة التحقيق فى الاتهامات المنسوبة إليها.
الحس الاستعمارى الاستعلائى لـ«BBC» تمثل فى محاولتها غسل جريمتها الإعلامية المشينة، وتصويرها على أنها مجرد خلاف مع السلطات المصرية، وأنها، أى الـ«BBC»، فى الكفة الأعلى أمام مؤسسات الدولة المصرية، وأن كل ما تستطيعه الدولة المصرية هو تقديم الشكوى إلى هيئة الإذاعة البريطانية، على أن تنظر الهيئة فى شكوى السلطات المصرية!
هكذا تصورت هيئة الإذاعة البريطانية الموقف، وكأن المندوب السامى البريطانى مازال يتحكم ويحكم فى مصر! وكأن من حق البريطانيين فى هيئة الإذاعة أو خارجها ارتكاب الجرائم فى حق المصريين، والنجاة منها بكلمة، لا على صناع الفيلم المشين أن يدفعوا ثمن تزويرهم للحقائق، وتشويه مؤسسات الدولة المصرية لمصلحة الجماعة الإرهابية، وليعلم القائمون على هيئة الإذاعة البريطانية أن العقوبات ستطالهم ستطالهم إذا لم يتخذوا من المواقف ما يعترفون ويكفّرون بها عن جريمتهم، فالمصريون لم يعودوا تحت الاحتلال كما أنهم لم يعودوا قابلين للهيمنة الإعلامية أو تشكيل الوعى بالمواد الزائفة.