ارتبط ذكر الصابئة بصورة ذهنية بتصورهم على أنهم قوم من عبدة الكواكب والنجوم، انتشروا فى أنحاء مختلفة من شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، ولا يوجد فى القرآن الكريم أو السنّة النبوية ما يؤيد هذا التصور.
يتحدث أحمد العدوى فى كتابه "الصابئة منذ ظهور الإسلام وحتى سقوط الخلافة العباسية" أن الصابئة ديانة باطنية لا يرخص لاتباعها إطلاع الآخرين على طبيعتها.
ويؤكد الكتاب أن ذلك المنع ساهم فى عدم وصول أى من الكتابات الدينية الخاصة بأتباعها، حيث أحاط الصابئة عقائدهم بسياج هائل من السرية، بحيث لم يتمكن علماء المسلمين من الوقوف على حقيقة ديانتهم، على رغم المحاولات الجادة التى بذلها البعض منهم.
وذكر البيرونى أنه بحث طويلاً فى أمر هؤلاء الصابئة الكائنين بسواد العراق حول قرى واسط فما حصَّل من أسبابهم شيئاً البتة، على حد قوله.
وتدور اعتقادات الصابئة حول وجود خالق أزلى واحد منزَّه، واعتقادهم فى الله يشبه كثيراً اعتقاد بقية الطوائف الغنوصية، فهم يدركونه من طريق الفيض الإلهى، وهم لا يعبرون عنه إلا بصيغة الجمع، ويعتقدون أنه انبعث من ذاته، وتليه مجموعة من المخلوقات النورانية (الملائكة) وهم مخلوقات متوسطة بين الروحانية والمادية، فالروحنيات لديهم مخلوقة من كلام الله، وكلام الله لا يصل إلا بواسطة مخلوق بين النور والتراب، ويعد ذلك تجسيداً للمعتقدات الغنوصية بوجود وسائط بين الخالق وخلقه، وهذه المخلوقات تعمل على إدارة الكون وتحقيق مشيئة الخالق.
كما يعتقد الصابئة بالبعث والحياة الأخرى بعد الوفاة، لكن العقيدة المندائية تتميز بنظرية العالم الموازى، إذ يعتقد المندائيون بنهاية العالم، لكنهم لا يعترفون بقيام الحياة الأبدية على أنقاض الحياة الأولى فى هذا العالم، وإنما يعرفون العالم الآخر بأنه عالم موازٍ، أى كائن فى اللحظة نفسها، كما هى الحال بالنسبة إلى عالمنا المادى، فالروح تحاسب بعد الموت مباشرة. ولا وجود للبرزخ ولا للقيامة فى المندائية، فهم يؤمنون بنهاية العالم، ولكن ليس بالضرورة قيام الدينونة لأنها قائمة الآن بالفعل، لذا فهم يعتقدون بأن الروح خالدة بينما الجسد فانٍ، ويقدسون الماء الجارى ويعتبرونه رمزاً للحياة، ولا يجوز العماد إلا فيه، لكن التعميد عندهم ليس طقساً للندم وإعلان التوبة كما فى المسيحية، لكنه طقس تطهرى بامتياز.
وقد أفتى الإمام أبو حنيفة الخليفة أبا جعفر المنصور بجواز إقرار الصابئة على دينهم ووجوب أخذ الجزية منهم قياساً على موقف النبى (صلى الله عليه وسلم) من مجوس هجر، وممارستهم التعميد دفعت الفقهاء المسلمين إلى إلحاقهم بالنصارى. وسمح هارون الرشيد لهم بممارسة شعائرهم واحتفالاتهم وأعيادهم شرط أن تمارس داخل هياكلهم وألا يجهروا بها، لكن المأمون خيَّرهم بين الإسلام أو دين آخر معترف به مع أداء الجزية، وترتب على ذلك إسلام عدد منهم.