النوبة، تلك البقعة المهمة فى جنوب مصر، الشامخة على ضفتى النيل، لتشهد حضارة تمتد آلاف السنين، شهدت فنونا مختلفة، جسدت وحدها آدب وإبداعا خاصا يميز تلك المنطقة، خرج منها أحمد منيب والكينج محمد منير، ومنها خرج محمد خليل قاسم، ومن بعده يحيى مختار وإدريس على وحجاج أدول، ومن الشباب شريف عبد المجيد وسمر نور.
فهل تلك الحالة الفنية والأدبية، ما زالت موجودة، بروح شبابية جديدة، تجدد دماءها، أم أنها اكتفت بتجارب تلك النخبة المبدعة التى أثرت ولا زالت تثرى الثقافة المصرية؟
حجاج أدول
يقول الروائى النوبى الكبير حجاج أدول، إن النوبة شعب تليد، جذوره ضاربة فى بدايات التاريخ، لذا حين نتكلم عن الأدب النوبى حالياً، نقول الأدب النوبى المعاصر، والأدب النوبى المعاصر ثنائى، فرع باللغة النوبية وفرع باللغة العربية، باللغة النوبية متواصل وحتى الآن، وإن كان قد أصابه الفتور بسبب التهجيرات بعيدا عن البيئة النوبية ونهر النيل، فضعفت اللغة وفقدت الكثير من جزالتها.
وأوضح "أدول" أن بداية الأدب النوبى باللغة العربية كان شعراً، حين صدر عام 1948 ديوان (فى ظلال النخيل) للشاعر محمد عبد الرحيم إدريس، ثم ترسخ عام 1966 برواية الشمندورة لمحمد خليل قاسم، ثم ديوان (سرب البلشون) لمجموعة من الشعراء النوبيين أغلبهم كان سياسياً يسارياً، مشيرا إلى إنه الصوت الأدبى النوبى، خفت، حتى ظهر إبراهيم فهمى فى بدايات الثمانينات من القرن العشرين، فكان وحده حامل شعلة الأدب النوبى، وأثرى الأدب النوبى المصرى.
خلال هذه السنوات كان يحيى مختار يكتب على استحياء، وإدريس على لم يكتب عن النوبة مطلقاً سوى أقصوصة صغيرة.
ويتابع "أدول": تقدمت أنا ونشرت قصصى النوبية فى مجلة إبداع تحت إدارة الدكتور عبد القادر القط، ثم مجموعتى (ليالى المسك العتيقة) التى فازت بجائزة الدولة التشجيعية عام 1990، ثم فاز يحيى مختار بنفس الجائزة بعد عامين. وإدريس على بجائزة التفوق بعدها بأعوام.
إبراهيم فهمى وحجاج أدّول وإدريس على ويحيى مختار، تدفقوا برافدهم الأدبى النوبى بقوة فى نهر الأدب المصرى، فلفتوا الأنظار وأحدثوا جلبة لأن أدبهم جسد مأساة إغراقات النوبة المتكررة، وبين آلام الاغتراب النوبى، ومن هنا تمت مهاجمة الأدب النوبى بسوء نية فى الغالب، وبجهل عند القليل. وهجوم على مصطلح الأدب النوبى، الذى تجسد حين أهديت مجموعتى (ليالى المسك العتيقة) وقلت: إلى رائد الأدب النوبى الحديث محمد خليل قاسم.
ويضيف حجاج أدول "كُتبت أغنيات باللغة العربية اشهرها ماكتبه محيى الدين شريف ولحنه وغناه أحمد منيب (مشتاقين ياناس لبلاد الدهب) والنوبيون يرددون أغنيات كتبها الأديب زكريا إبراهيم وغناها خضر العطار أشهرها أغنية (فخور أنا) ومن ضمن كلماتها..( فخور انا بحضارتى وعايش انا بهيبتى عزة نفسى المابتزول. ابدأ المابتزول. بامانتى وطيبتى فخور انا اسال التاريخ الماضى مين انا .انا ابن مينا وتهارقا .انا ابن كوش ونباتا انا وبنت النوبة نفرتارى بجمالها. صوت السواقى الباكيه اه الباكيه رجف الجبال الغاضبه الغاضبة الخ".
وويشير حجاج أدول إلى أن الأدب النوبى باللغة النوبية غزير وباللهجتين الفجيتا والكنزى، وربما الأشهر هى ثلاثية الشاعر الملحن المطرب الدكتور مصطفى عبد القادر، وهى بالغة الشجن عن التهجير والاغتراب، اما عن الأدب النوبى وعن استمرار تدفقه، فمعروف أن الإبداع القوى لا يمكن أن يكون فى كل جيل من أجيال الشعوب، فهو يتألق فى جيل ما، ثم يختفى فترة ليبزغ فى جيل بعده بسنوات تقصر أو تطول بدون أن يستطيع أحد أن يحسب، وحاليا فالادب النوبى ليس بالقوة التى كانت، وقت جيل محمد خليل قاسم، أو جيل إبراهيم فهمى وحجاج أدّول وإدريس على ويحيى مختار، ولا نعلم ماذا سيكون غداً.
يحيى مختار
من جانبه قال الكاتب النوبى الكبير، يحيى مختار، إنه لا يوجد ما يسمى بالأدب النوبى، موضحا "مفيش حاجة اسمها أدب نوبى"، وذلك لأن الأدب ينتمى للغة الذى يكتب بها، كونها الهوية والطريقة التى يعبر بها الإنسان عن نفسه.
ولفت "مختار" فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، إلى أن الكتابات التى تأتى من النوبة، تكون باللغة العربية، فهى تأتى من النوبة وليست نوبية، على حد وصفه.
وأشار الكاتب النوبى يحيى مختار، إلى أن تلك الأعمال هى جزء من الثقافة النوبية متعددة الإبداع، مثل الكتابة والفن، والرسم، وكله هذا يثرى فى جسد واحد، وجزء من الثقافة المصرية، موضحا أن هناك شبابا نوبيين الآن، يقدمون أعمالا وكتابات، مثله مثل أى فرد آخر يكتب ويبدع.
وأتم الكاتب يحيى مختار، أن الكتاب النوبيين الكبار، عاشوا فى النوبة القديمة، (النوبة قبل بناء السد العالى)، وكانت لهم تجاربهم وحياتهم الملئية بالأحداث والمترتبطة معهم بذكريات كبيرة، لذا استطاعوا أن يقدموا عنها أعمالا مميزة، لا يستطيع الكتاب الشباب الآن تقديمها لإنهم لم يعيشوا فيها، ولم يكن لهم فيها ذكريات.
سمر نور
بينما قالت القاصة والكاتبة الشابة سمر نور، أننا نحتاج أولا لتعريف ماهية الأدب النوبى، هل هو الأدب الذى يكتب بالنوبى أم ما يكتب عن مشاكل النوبة وهموم أهلها حتى لو بالعربية.
وأضافت "نور" أن الأدب النوبى، كانت بداية معرفته مع رواية "الشمندورة" للكاتب الكبير محمد خليل قاسم، والتى تدور عن النوبة، ومن بعده جاء جيل جديد من الكتاب النوبيين مثل حجاج أدول ويحيى مختار.
وأوضحت سمر نور، أن الأدب النوبى اندثر، وأصبح لا يوجد أدب باللغة النوبية يعبر عنها، خاصة من الأجيال، الذين كتبوا عن أشياء أخرى، ليس من بينها النوبة، وربما يختفى من الجيل الجديد من يكتب عن النوبة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة