فى الماضى، كان يعتقد المصريون أن ما يبثه الإعلام الغربى والأمريكى لا يتخلله الباطل، ولا يقترب منه الكذب والادعاء، وكان يروج لنفسه، خاصة هيئة الإذاعة والتليفزيون البريطانى الـ«بى بى سى» ووكالة الأنباء «رويترز» وتليفزيون «دويتشه فيله» بجانب الصحف، بأنها تلتزم الحياد، وتطبق معايير مهنية صارمة، تأسيسا على القيم الأخلاقية.
ورغم أصابع الشك فى أداء هذه المنابر الإعلامية، وأن من يديرها، رسميا أجهزة المخابرات كل فى بلده، إلا أن المواطن العربى بشكل عام، والمصرى بشكل خاص، كان يثق ثقة كبيرة فى تعاطى هذه المنابر مع الأحداث فى الشرق الأوسط، وفى القلب منه مصر، وكان يستبعد كل الظنون والشكوك الذى تنتابه، فى تناول تلك المنابر، معليا مصداقيتها، على ما ينتابه من شعور بعدم الارتياحية، وهى درجة عالية من درجات الثقة فيها.
وفى عام 1996 ومع انطلاق بث قناة الجزيرة، ومحاولة زرع المهنية والمصداقية فى عقول المواطن العربى، وأنها تنتهج مهنية الـ«بى بى سى» و«رويترز»، بدأ المواطن العربى يلتف حول شاشاتها، ويتعاطى مع كل ما تبثه أيضا.
واستمر الوضع، حتى اندلاع حراك 25 يناير 2011 وهذا التاريخ يمثل نقطة فاصلة فى عملية الفرز الشاملة، وإعادة التقييم على أسس ومعايير جديدة ومختلفة، ليس فى المجال الإعلامى، وحسب، ولكن فى كل المجالات الأخرى، والسياسية وملف حقوق الإنسان، على وجه الخصوص.
عملية الفرز، للمواطن العربى، عامة، والمصرى، خاصة، كانت قاسية، وقوية، وتمكن بفطنة وعبر مشاهداته على أرض الواقع، ومقارنته بين ما تبثه هذه المنابر الإعلامية، ومواقف دولها، حيال نفس الأحداث والقضايا، فى مصر والدول التى اندلعت فيها ما يطلق عليه كذبا وبهتانا ثورات الربيع العربى، اكتشف مدى كذب هذه المنابر الخبيثة، وما تصنعه من غسيل للعقول بمادة الكذب الكاوية والحارقة.
وكان 30 يونيو 2013 تاريخا مفصليا فى فقدان المواطن المصرى، والعربى، الثقة الكاملة فى هذه المنابر، وتحديدا الـ«بى بى سى» و«رويترز» و«دويتشه فيله» و«الجزيرة»، و«التايمز» و«الجارديان» والـ«واشنطن بوست» والـ«نيويورك تايمز»، عندما أعلنت وبفجاجة انحيازها الكامل لجماعة الإخوان الإرهابية، وذيولها داعش وجبهة النصرة والقاعدة، وخلعت عن وجهها القبيح، بِفُجر وعُهر مهنى، لا مثيل له، معتبرة ثورة 30 يونيو انقلابا عسكريا، لمجرد أنها أزاحت الإخوان من الحكم وصدارة المشهد!!
إذن لم يكن غريبا على تليفزيون الـ«بى بى سى» أن يختلق قضية اختفاء «زبيدة»، عندما عرضت القناة تقريراً استضافت فيه سيدة، قالت إن ابنتها، وتدعى «زبيدة» مختفية قسريا وأنها تعرضت للاغتصاب والتعذيب على يد «عناصر أمنية مصرية»، مطالبةً السلطات بكشف مصير ابنتها وفى أى سجن تقبع.
وتبين كذب وفضيحة القصة، وأنها مجرد سيناريو من تأليف وإخراج القناة الخبيثة، وليس بعجيب أن ما يتم بثه على الـ«بى بى سى» أو نشره فى الـ«جارديان» والـ«واشنطن بوست» والـ«نيويورك تايمز»، تتلقفه على الفور الجزيرة وباقى قنوات الإخوان، لتكمل مسلسل إثارة البلبلة والقلاقل وملء الدنيا ضجيجا فى الشارع المصرى والعربى، وتحويلها إلى قضية كبرى!
وتعالوا نقر أمرا معلوما بالضرورة، أن تليفزيون وإذاعة الـ«بى بى سى» ووكالة «رويترز» من خلال مكاتبهما فى القاهرة، يلعبان الدور «الأقذر» فى نشر الشائعات التى تصب فى مصلحة جماعة الإخوان الإرهابية بشكل خاص، وباقى الجماعات المتطرفة على وجه العموم، وأنهما يعدان بمثابة رأس الحربة لقنوات الجزيرة ومكملين والشرق والعربى، وباقى كل القنوات والأبواق القطرية والإخوانية التى تسارع بنشر ما تبثه «رويترز» والـ«بى بى سى»، منسوبا لهما، واعتبارهما مصادر إخبارية لا يقترب منها الباطل على الإطلاق!!
وتستشعر، أن هناك تنسيقا كاملا بين «رويترز» والـ«بى بى سى»، ولا يمكن أن ننسى الجريمة الكبرى التى ارتكباها ضد مصر التى تمثل فضيحة مهنية بكل المقاييس تفوق فضيحة «زبيدة»، عندما تبنيا فى 1 يوليو 2015، إذاعة وبث أخبار، مفادها أن ولاية سيناء أحد أذرع داعش، فى سيناء، سيطرت على العريش، وقتلت المئات من جنود وضباط الجيش المصرى، وبدأت الجزيرة تتلقف هذه الأخبار، وتبثها على الهواء لحظة بلحظة، واعتبارها نصرا مجيدا، وخيم سحب الغضب والسخط والإحباط والكآبة على سماء مصر، وعاش المصريون أسوأ لحظات فى حياتهم، وهم يقرأون أخبار رويترز عن عدد القتلى بين صفوف الجيش، وسيطرة الدواعش على كامل العريش وفى طريقهم للسيطرة على رفح، وإعلان سيناء ولاية داعشية!!
ولا يمكن أن ننسى الدور الذى لعبته الـ«بى بى سى» و«رويترز» فى قضية مقتل الشاب الإيطالى «ريجينى» بنشر الأكاذيب والافتراءات عن تورط الأمن المصرى فى مقتله لضرب العلاقات القوية بين إيطاليا ومصر، واختلاق وقائع كاذبة من أن ريجينى تم تعذيبه فى قسم شرطة الأزبكية، ثم تم نقله إلى مقر الأمن الوطنى فى لاظوغلى، ولقى حتفه هناك، وهو كذب أشر، إذا علمنا أن ريجينى لم يدخل قسم الأزبكية من الأصل، وأن دائرة تحركاته المرصودة من خلال اتصالات هاتفه، والفيديو المصور له مع بائع صحف، كانت فى منطقة الدقى!
إذن على السلطات المصرية، ألا تدع فبركة قصة «زبيدة» تمر مرور الكرام، ويجب إغلاق مكاتب القناة بالقاهرة، واتخاذ خطوات قانونية دولية ضدها، وإعداد ملف كامل بكل التجاوزات التى لا تعد ولا تحصى، وتعلن مصر رسميا، أن زمن الصمت ضد التجاوزات، ولى وراح دون رجعة!!
ولا ننسى، يوما، الرئيس جمال عبدالناصر، فى إحدى خطبه المسجلة، صوتا وصورة، عندما قال نصا: «لما تطلع الإذاعة أو التليفزيون البريطانى الـ«بى بى سى»، وتقول جمال عبدالناصر كلب، مثلا، نقول لهم: «أنتم ولاد ستين كلب»!!