لا حديث الآن يعلو على نجمنا العالمى محمد صلاح، فى إنجلترا يرفعون له القبعة، ويعتبرونه خير سفير للعرب والمسلمين، وتحدثت صحف إنجليزية عن دوره فى تقليل ظاهرة الإسلاموفوبيا، وفى مصر بل والدول العربية بأكملها أصبح صلاح الحلم الذى يراود كل شاب، فهو المثل والقدوة، ليس فقط لأنه هداف الدورى الإنجليزى، ومن أفضل اللاعبين فى العالم حاليا، لكن أيضا لأنه مثال للأخلاق وحب الوطن، ويكفى فقط أن نتحدث عن تعلقه بقريته «نجريج» وأهلها، رغم أن غيره كثيرون انقلبوا على ماضيهم وتنكروا له، لكن صلاح كان عكس الجميع، أهله وأصدقاؤه وجيرانه فى عقله وقلبه أينما ذهب، لا يهم أين يلعب، فى سويسرا أو إيطاليا أو إنجلترا، ليس مهما، المهم عنده بلده وأهله.
فاز صلاح بجائزة أفضل لاعب أفريقى لعام 2017، ويواصل سيره فى طريق النجومية والسيطرة على الألقاب وحصدها، ومع ذلك يحافظ على اتزانه النفسى وأخلاقه، فلم يتملكه الغرور أبدًا، بل هو شخص معروف بتواضعه، وهو ما وضعه فى مصاف الأفضل عالميًا فى كل شىء.
هذه المقدمة ضرورية للحديث عن محمد صلاح، ومع يقينى أن مجرد ذكر اسمه فقط يكفى، لكن واجبه علينا أن نقول فيه كلمة حق، حتى وإن كانت أقل مما يجب أن يقال فيه، وحديثى عن صلاح هنا سيتركز على قضية وحيدة، كانت مثار حديث من تابعوا آخر ثلاث مباريات لليفربول فى الدورى الإنجليزى، وتحديدا مباراته أمام نيوكاسل التى انتهت لصالح الريدز بهدفين كان من نصيب صلاح هدف، فهذه المباراة تعرض فيها نجم مصر لظلم تحكيمى واضح، جعل المدير الفنى لفريقه يورجين كلوب يشتاط غضبا، فقد سقط محمد صلاح فى منطقة جزاء نيوكاسل فى الشوط الثانى، بعدما حاول المرور من مدافع المكبايز لكن الحكم جراهام سكوت رفض أن يحتسب شيئًا، وفى الدقيقة 94 كاد يورجن كلوب أن يفقد عقله بعدما منع لاسيلس النجم المصرى من الانفراد بحارس الضيوف بطريقة عنيفة أمام أنظار الحكم الذى تجاهل تماما ما حدث، وكأن شيئا لم يكن.
بالطبع قطاع ليس بقليل من الجماهير المصرية نظر لما تعرض له صلاح من ظلم تحكيمى على أنه جزء من مؤامرة حتى لا يحصل على لقب هداف الدورى الإنجليزى، ويفوز بها البريطانى هارى كين، لاعب توتنهام، الذى يتعادل الآن فى عدد الأهداف مع صلاح بـ24 هدفًا لكل منهما، خاصة أن ما حدث فى مباراة نيوكاسل لم يكن الأول ولن يكون الأخير.
وبالطبع نحن فى مصر متشبعين من فكرة الانحياز التحكيمى، فلا يوجد حكم فى كرة القدم عادل فى المطلق، كما أن أسهل وسيلة تهرب من خلالها الفرق من الملاحقات الجماهيرية عقب تعرضها لهزيمة أو تعادل مخيب للآمال هى شماعة التحكيم، وأمامنا الكثير من الأمثلة، التى وصلت إلى درجة التعدى على الحكام، جسديا ولفظيا، وبالتالى لم يكن من السهل تقبل فكرة أن ما تعرض له صلاح من ظلم تحكيمى لا علاقة له بفكرة الاضطهاد أو المؤامرة، وإنما هى كرة القدم، والأخطاء واردة لأنه لا يوجد شخص معصوم من الخطأ، وكثير من المنتخبات والفرق فازت دون حق، وأخرى خسرت دون سبب، إلا الظلم التحكيمى.
ولا يجب أن ننسى أيضا أن محللين رياضيين يعتبرون الأخطاء التحكيمية جزءًا مهمًا من المتعة الكروية، صحيح إن زادت عن حدها تكون مفسدا وليست متعة، لكنها موجودة حتى فى أعرق الدوريات الأوروبية، ويمكن التعامل معها وفقًا لكل حالة، لكن لا يمكن القبول مطلقًا بفكرة أن هناك حكمًا ظالمًا على طول الخط. صحيح قد تتكرر الأخطاء من شخص واحد، لكن فى الغالب لا تكون عن سوء نية، وإنما لنقص فى الخبرات أو لأن الحكم يختار دائمًا وضعيات فى الملعب لا تمكنه من الرؤية السليمة لكل حالة، لذلك من الصعب أن نعمم من فكرة الأخطاء أو المؤامرة، وعلينا أن نستفيد مما يحدث حاليًا مع النجم صلاح لكى نعيد التفكير فى نظرتنا تجاه التحكيم عمومًا، وأن نبحث عن الأسباب الحقيقية لتراجع مستوى الفرق والمنتخبات واللاعبين دون أن نرتكن دومًا لشماعة التحكيم.
فى المقابل فإن حكامنا مطالبون دومًا بالعمل على تقوية أنفسهم بدنيًا على الأقل، وهنا دور لجنة الحكم فى اتحاد الكرة، لأنه ليس دورها فقط أن تختار حكام المباريات وتعلق على ما يقال بشأن أداء الحكام، لكن عليها أن تطور من الأداء.