لا تخلو حياتنا مطلقا من أى استخدام للأكياس البلاستيكية، فهو الوسيلة الوحيدة تقريبا التى نعرفها لوضع أى شىء نشتريه، من البقالة إلى الدواء، وكل مستلزمات حياتنا تقريبا، لكن نادرا ما يعتقد أحد أن فى هذا "الكيس البلاستيك" كارثة بيئية واقتصادية كبيرة، يتكلم العالم كله عنها.
فقد استيقظ الإسبان على مفاجأة غير سعيدة هذا الأسبوع حين وجدوا على شواطئهم حوتا نافقا يبلغ طوله 10 أمتار، وقد مات بسبب ابتلاعه ما يقدر بحوالى 30 كيلو جرام من "الأكياس البلاستيكية" الموجودة فى المحيط الأطلنطى، نتيجة تخلص البشر منها بشكل غير صحيح فى المياه، لتعيد تلك الحادثة الغريبة والفريدة من نوعها إلى الواجهة قضية خطر استخدام الأكياس البلاستيكية إلى الواجهة، خاصة فى ظل تقديرات بوجود 5 تريليونات "كيس بلاستيك" فى بحار ومحيطات العالم.
قد تبدو أزمة استخدام الأكياس البلاستيكية كتلك بعيدة كل البعد عن واقعنا المصرى للبعض، فنحن لسنا من الدول المطلة على المحيطات، ولا نرى "الحيتان" على شواطئنا كل يوم، لكن حقيقة الأمر كما يشرحها الدكتور حسام علام، مدير برنامج النمو المستدام بمركز البيئة والتنمية للإقليم العربى وأوروبا "سيدارى"، أن المسألة تمس بشكل مباشر المواطن المصرى البسيط فى الكثير من مناحى حياته.
ويشرح حسام علام لـ"اليوم السابع" قائلا أن مصر تستهلك 12 مليار كيس بلاستيك فى العام الواحد، تكلف تقريبا حوالى 2.5 مليار جنيه غالبهم بالعملة الصحبة، لأننا نقوم باستيراد المواد الخام المصنعة لتلك الأكياس البلاستيك، ما يعنى أن هناك ما قيمته 2 مليار جنيه ونصف وما يعادلها من العملة الصعبة يتم إلقاءها فى القمامة فى النهاية.
لا يتوقف الأمر عند إلقاء العملة الصعبة فى القمامة بحسب الدكتور حسام علام، فقد عانينا فى مصر مثلا العام الماضى من ظاهرة انتشار قنديل البحر على شواطئنا الشمالية، والسبب الرئيسى فى هذه الظاهرة كان هو ابتلاع الترسة البحرية الكائن الوحيد الذى يتغذى على قناديل البحر للأكياس البلاستيكية واختناقها وموتها، وهذا الأمر له أثر ضخم على العمالة فى تلك السواحل، والاستثمارات أيضا، لأنه فى حالة موت المزيد من السلاحف البحرية فإن قناديل البحر لن تكون ظاهرة موسمية بل ستكون ظاهرة دائمة ومتكررة، تهدد كل تلك الاستثمارات على سواحلنا الشمالية.
ويضيف مدير برنامج النمو المستدام بمركز البيئة والتنمية للإقليم العربى قائلا أن الأكياس البلاستيكية أيضا تهدد البيئة البحرية فى البحر الأحمر، وتتسبب فى هجرة الأسماك النادرة، وتدمير الشعب المرجانية، التى يأتى السائحون من كل انحاء العالم لمشاهدته، كما أن الأثر الأكبر أن تلك الأكياس البلاستيكية تسد المصارف الزراعية فى قرى مصر، وتسبب مشكلة كبيرة لوزارة الرى التى تنفق مليارات الجنيهات من أجل تطهير تلك المصارف، حيث يتسبب انسداد السحارات بالأكياس البلاستيكية فى ارتفاع مياه الصرف الزراعى، وتهدد بارتفاع نسبة ملوحة الأرض وقلة الإنتاجية، كما أنه أيضا يهدد ثروة الفلاحين البسطاء الحيوانية، إذ أن أى حيوان سيأكل "كيسا بلاستيكيا" سينفق على الفور.
ويضيف حسام علام أن السبيل الوحيد لوقف إهدار كل هذه الأموال، هو التوجه إلى البلاستيك القابل للتحلل والذى يتم إنتاجه عبر إضافة مادة فى خليط صناعة الأكياس البلاستيكية يجعلها قابلة للتحلل بعد فترة من الزمن، مشيرا إلى أن هناك جهود تبذلها وزارة البيئة ومنظمات المجتمع المدنى للتوعية بأخطارها، فعلى سبيل المثال فإن الحملة الوطنية للحد من استهلاك البلاستيك ستعقد تدريبا الجمعة القادمة فى ناديى الصيد وهليوبوليس لتوزيع "شنط متعددة الاستخدام"، كما قامت من قبل بالتعاون مع 72 فرع لسلاسل "الماركت" الضخمة، فى ديسمبر الماضى، مطالبا فى الوقت نفسه بوضع إجراء تشريعى للحد من هذه الظاهرة.
التشريع الذى تحدث عنه علام، تم وضعه فى 40 دولة من دول العالم، تحظر فيها استخدام الأكياس البلاستيكية، وكان آخرها كينيا التى فرضت حسب وكالة رويترز فى أغسطس الماضى، غرامة على استخدام الأكياس البلاستيكية، حدها الأدنى 19 ألف دولار وحدها الأقصى 38 ألف دولار، كما قد تصل عقوبة استخدام الأكياس البلاستيكية إلى السجن 4 سنوات، وهو ما وصفته وكالة رويترز بأنه أشد القوانين صرامة فى هذا المجال على مستوى العالم.
ولا يتوقف الأمر عند الدول الأوربية والإفريقية، فلدينا فى مجال الدول العربية السودان التى قررت قبل كينيا حظر استخدام الأكياس البلاستيكية، وكذلك المغرب التى حظرت الاكياس البلاستيكية فى عام 2016، أما أول دولة أقرت قانون الحظر فكانت الدنمارك، وذلك بحسب دراسة برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فهى الدنمارك عام 1993، والتى فرضت قانونا بدفع بدل نقدى للحصول على كيس بلاستيك، وهو ما قلل استهلاكها بنسبة 60%.
أما الاتحاد الأوروبى فأعلن أنه وبحلول عام 2019 فسيحظر استخدام الأكياس البلاستيكية على أرضه بشكل كامل، بعد ضرائب عدة فرضتها الدول عليها لرفع ثمنها وجعل المواطنين يستخدمون "الحقائب متعددة الاستخدامات".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة