أُعلنت نتيجة الانتخابات الرئاسية، وفاز السيسى بأكثر من 97٪ من عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم، حيث تجاوزت نسبة المشاركة 41٪ من عدد المقيدين بالجداول، وأصبح السيسى رئيسًا لمصر لمدة أربع سنوات مقبلة. قلنا فى المقال السابق إن مدة الرئاسة الأولى كانت بكل المقاييس مرحلة استثنائية، بكل ما تحمله الكلمة، ولظروف كثيرة وتحديات خطيرة ومواجهات ثقيلة، وعلى كل المستويات، واستطاع السيسى والنظام وبتكاتف ومؤازرة الشعب، ومساعدة قواتنا المسلحة الوطنية أن يسقطوا المؤامرة المحاكة لمصر وللمنطقة، ويوقفوا إسقاط مصر الدولة، وهو الهدف الذى يتجدد مع كل مرحلة تشهد تعدد القوى الدولية الاستعمارية مع تعدد الأساليب واختلاف الأشكال، هنا استطعنا إعادة تماسك الدولة، وإعادة هيبتها، واسترداد الأمن، ومواجهة الإرهاب، والبدء فى عملية الإصلاح الاقتصادى، وغير ذلك كثير، ولكن هذا ولاشك ليس كل المأمول، فمازال الطريق طويلًا والنضال شاقًا، والمواجهات لا تنتهى، والتحديات ستستمر، وهذا بالطبع يضع على كاهلنا وكاهل النظام والسيسى مهامًا متعددة وملفات كثيرة.
نعم المرحلة الماضية كانت لها معطياتها ولها ظروفها، تلك المعطيات وهذه الظروف هى التى تحدد المواقف والخطط والأولويات السياسية والاقتصادية، وغير ذلك من الأولويات.. الآن لابد من ترتيب هذه الأولويات بما يتناسب مع هذه المرحلة، بهدف مزيد من الحفاظ على هيبة الدولة، ومزيد من الإصلاح الاقتصادى، حتى يرضى المواطن الذى دفع ومازال يدفع الثمن راضيًا وصابرًا، ومزيد من فتح المجال العام وتعزيز المشاركة السياسية.
وهنا وفى هذه المقالات سنحاول مناقشة مطالب الشعب، واحتياجاته وآماله الواجب تحقيقها كحق للمواطن، وحماية للوطن الذى لا تنفصل مصالحه وحمايته عن حقوق ومصالح المواطن المصرى، وهذا قد أكده السيسى فى حديثه المهم مع ساندرا نشأت، فيما يخص فتح المجال العام، حيث إن السيسى وفى الأيام الأخيرة من المعركة الانتخابية، وفى نهاية الفترة الرئاسية الأولى، التى فرضت تحديات حددت نوع وأسلوب الممارسة السياسية بشكل عام، أعلن السيسى قناعاته واحتياجات المواطن فى فتح المجال العام الذى يتيح له الحديث بكل حرية عن آرائه، والتعبير بكل أريحية عن احتياجاته، بل حق المواطن فى أن يبدى رأيه فى القرارات السياسية بكل فروعها كحق له فى المشاركة فى اتخاذ القرار، فالحياة السياسية وبكل وضوح، وفى المرحلة السابقة، وللظروف التى أوردناها لم تكن على المستوى المطلوب والمأمول وهذا نظرًا للظروف والتحديات، ولكن الآن لابد من فتح المجال العام، وهذا لا يكون ولا يتم بغير حياة حزبية حقيقية، وممارسة سياسية صحيحة.
نعم هذا كان نتيجة لتراكم كمىّ أحدث نتائج كيفية سلبية ارتبطت بالممارسة والحياة الحزبية غير السليمة، والتى كانت لا علاقة لها بالحزبية أو السياسية، إضافة لذلك غياب حزب يمثل الأغلبية مع وجود برامج حزبية شكلية لا تمثل الواقع، ولا تحفز الجماهير لمشاركة حزبية أو سياسية، ولذا تحولت الحياة الحزبية إلى شكل وديكور بلا مسرح، ومسرح بلا جمهور، فسقطت الرواية السياسية والحزبية، وكان البديل الجماهير غير المنظمة حزبيًا وغير الملتزمة سياسيًا، ولكنها مرتبطة عاطفيًا وجينيًا وتاريخيًا بمصر الوطن القابع فى الضمير الجمعى.
ونتيجة لهذا كان من الطبيعى أن يكون البديل أصحاب المصالح الذاتية، الذين يجيدون دور الممثل الذى يصلح لكل الأدوار مهما تغيرت الرواية، ومهما تبدل الإخراج.
وهذا النوع لا يرى غير ذاته، ولا يسعى لغير مصلحته التى تجعله يغير المكياج كل لحظة، تصورًا أن هذا يتوافق مع المرحلة.. هؤلاء لا يريدون أحدًا غيرهم، ولا رؤية بعيدة عنهم، يتاجرون بالوطن والوطنية، ويأخذونها حقًا حصريًا لهم دون سواهم.
يصورون أنفسهم هم فقط المدافعين عن الوطن والنظام، وهم حماة الوطنية، وكأننا قد استبدلنا المتاجرين بالوطن بالمتاجر بالدين، الآن الشعب لا يريد هذا ولا يقبل ذاك، الشعب أدرك ويدرك ويعرف ويفرز، والراصد لهذا فى أى مكان فى طول البلاد وعرضها، ومهما اختلفت الثقافات وتعددت الانتماءات، يقولون لك من هم هؤلاء المتاجرين بالوطن والمدعين للوطنية.. الآن نريد الإعداد لحياة حزبية صحيحة تنهى هذا العدد الورقى للأحزاب، لابد من تشريع سريع بحجم هذا العدد، على الرئيس أن يجتمع ويتحاور مع كل الاتجاهات السياسية بتعدداتها، لأن هذا الحوار هو نوع مهم من المشاركة فى اتخاذ القرار، وفى إرسال رسالة طمأنة للمواطن فى أن يشارك فى العمل السياسى.. المواطن يريد المصداقية، والمصداقية لا ولن تكون بغير الرأى الآخر والمعارضة.
المعارضة جزء دستورى من النظام، ولا نظام بدون موالاة ومعارضة.. فهى التى تنير طريق الحاكم، ولا توجد معارضة وطنية وأخرى غير وطنية.. هنا فارق بين المعارضة والإرهاب، أو لمن يدعون المعارضة وهم فاقدون للقواعد القانونية والسياسية لها، هؤلاء يحاسبون بالقانون، كفى مزايدة على الرأى الآخر.. كلنا أصحاب الوطن، ومن حق الجميع أن يشارك، وليس من حق أحد منح صك الوطنية أو توزيع الخيانة، لابد من إعادة اللُحمة الوطنية وإعادة ائتلاف يونيو، كلنا مصريون كفى مزايدة، الوطن يحتاج الجميع، افتحوا المناخ العام.. شجعوا الرأى الآخر.. اسمعوا للجميع حتى تصبح مصر وبحق وطنًا لكل المصريين، ولا نعطى فرصة للمتسلقين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة