ما يحدث فى سوريا سبق وشاهدناه من قبل، فيلم غربى ماسخ ومعاد، ومحاولة من الخاسرين فى المقامرة السورية ألا ينتهى الفيلم على مشهد خسارتهم الفادح!
تقارير مجهلة المصادر وغير موثقة أشارت إلى هجوم محتمل بالغاز على مدينة دوما بالغوطة الشرقية، وبناء على هذه التقارير المائعة التى نعتبرها فى غرف الأخبار بالصحف لا تستحق النشر، تحرك العالم الغربى بقواته العسكرية ومؤسساته الدولية وآلته الإعلامية الجبارة ليعلن للعالم أنه سيدمر سوريا على رؤوس السوريين من جديد، وسيواصل القصف بالقنابل الذكية والغبية والصواريخ الموجهة وغير الموجهة والطيران للسنة السابعة.
المعسكر الغربى بقيادة الولايات المتحدة يتجاهل امتلاك الميليشيات المتطرفة للسلاح الكيماوى ويتجاهل سلسلة التحذيرات الروسية لها باستخدامه، كما يتجاهل انعدام الدوافع لدى بشار الأسد لاستخدام الغاز فى الغوطة، وهو يتقدم بنجاح مسيطرًا على معظم أراضيها كما نجح فى إقناع آخر الفصائل المقاتلة «جيش الإسلام» بمغادرة الغوطة إلى جرابلس فى الشمال.
المعسكر الغربى يصر على اتهام بشار الأسد والقوات المتحالفة معه بالمسؤولية ويطالب المجتمع الدولى بتوقيع عقوبات، ثم يتذكر أنه لا وجود للمجتمع الدولى ولا للقانون الدولى ولا للمؤسسات الأممية، فيستدرك ويقرر التدخل عسكريًا، لكنه يستدرك أيضًا ويتذكر أنه متدخل عسكريًا ويحتل أراضٍ سورية منذ ست سنوات، فيعلن التصعيد بلا رحمة ضد بشار الأسد والقوات المتحالفة معه.
بشار الأسد ومن ورائه روسيا وإيران وحزب الله، يعرفون قواعد اللعبة الدموية، مزيد من التهديدات ومزيد من القصف ومزيد من الدمار ومزيد من الدول الغربية والتابعة التى تشارك فى قتل السوريين، خاصة وأن المعسكر الغربى لا يملك دليلا على انطلاق هجمات الكيماوى من جانب قوات الجيش العربى السورى أو أى من القوات المتحالفة معه، لكنه يملك آلة إعلامية أقوى بكثير وأقدر على صنع الصورة النمطية الشائهة عن بشار وتحالفه، كما يمتلكون التأثير والهيمنة على المؤسسات الأممية باستثناء حق الفيتو فى مجلس الأمن.
بشار الأسد والمتحالفون معه، يدركون أنهم حققوا انتصارات كبرى على مستوى فضح زيف الثورة السورية وتفريغها من قيمتها ومضمونها أمام الأغلبية الكاسحة من الشعب السورى فى الداخل والخارج، وإظهار المنتفعين بها على حقيقتهم، مجموعات من التابعين والعملاء والميليشيات المتطرفة وشركات الأمن الغربية، كما يدركون أنهم أصحاب الكلمة العليا على الأرض، فى الميادين، وأنهم باتوا يسيطرون فعليا على معظم الأراضى السورية ويستعدون لتحرير سائر الأراضى بطريقة التقدم خطوة خطوة وتطهير المناطق المحررة من الميليشيات المتطرفة والمرتزقة.
ولأن المعارك فى سوريا المستباحة لن تستمر للأبد، ولأن ترامب يريد الفوز بالغنائم من سوريا دون أن يبدو فى موقع الخاسر استراتيجيا أو عسكريا أمام الروس وحلفائهم، لابد من الجلوس سريعا على مائدة المفاوضات وتفعيل سيناريو تقسيم سوريا إلى أكثر من منطقة، لكن هذا السيناريو لم يعد بالإمكان تنفيذه وفق الخطط الغربية، كما لم تعد المنطقة مهيأة لقبوله، بعد زوال مشروع الفوضى الخلاقة وتفتيت دول المنطقة عمليا.
التصعيد الأمريكى الغربى الأخير بلا منطق وبدون أهداف يمكن تحقيقها، فلا الاقتراح بزيادة القوات الأمريكية فى سوريا يمكن أن يفعل سيناريو التقسيم ولا التوغل التركى سيستمر طويلا، كما أن الاعتداءات الإسرائيلية الفاضحة على المواقع السورية الروسية المشتركة لن تظل بدون رد موجع، وإذا كانت واشنطن قد فقدت معظم الأراضى التى تسيطر عليها قوات المعارضة معتدلة وغير معتدلة، فكيف ستحقق هدفها بتقسيم سوريا من خلال المفاوضات المرتقبة ؟!