صدر عن المركز القومى للترجمة فى مصر الترجمة العربية لكتاب (دليل روتليدج للسينما والفلسفة) وهو من تحرير بيزلى ليفينجستون وكارل بلاتينيا وترجمة أحمد يوسف.
تعود أهمية هذا الكتاب إلى أنه أول عمل شامل لدراسة العلاقة بين الفلسفة والسينما، وهو أساس لكل من يهتم بأساسيات فلسفة السينما وجمالياتها، وهو ينقسم إلى ستين فصلاً.
الكتاب يجيب عبر فصوله عن سؤال مهم:
ما السينما؟ ليطرح الإجابات عبر فصول الكتاب المختلفة، فى الكتاب كتب توماس وارتينبيرج مقالاً بعنوان "السينما باعتبارها فلسفة" يرى توماس أن القرن الواحد والعشرين شهد اعترافًا متزايدًا من كل من الفلاسفة ودارسى السينما بأن أفلامًا عديدة من مجموعة متنوعة من الأنماط الفيلمية والفترات التاريخية تستحق الاهتمام الفلسفى، وفى بعض الحالات تحتاج إلى مثل هذا الاهتمام، إن هذا الاعتراف ينبع فى جانب من النزعة المتزايدة لتقديم الفلسفة للطلبة من خلال الأفلام، وربما لأن الوسائط البصرية أقرب إلى متناول الشبان من الوسائط المكتوبة، فإن أساتذة الفلسفة أدركوا أن الطلبة يمكنهم التوحد مع الموضوعات الفلسفية وفهمها عندما تقدم سينمائيًا، أكثر من النصوص الأدبية التى تعتبر هى التى تؤسس للتقاليد الفلسفية الغربية.
وهناك أسباب أخرى لهذه النزعة، ويمكن لنا أن نشير إلى زيارة تقنيات النسخ الرقمية باعتبارها تدعم التغير فى ممارسات الفرجة التى تشجع على إنتاج الأفلام ذات المضمون الفلسفى، وأما استخدام هذا المصطلح فى هذا الفصل لكى أشير إلى ما أسميه "الوسائط الشقيقة"، مثل التليفزيون والفيديو والدى فى دى... إلخ، وإحدى الطرق لتلبية الطلب لهذه الأفلام، والتى تستحق الفرجة أكثر من مرة، هو أن تحشد فيها مضمونًا صعب الاستيعاب من مرة واحدة للفرجة، ومن المؤكد أن الفلسفة تلائم ذلك. لذلك إذا كان صحيحًا أن الأفلام أصبحت تصنع بشكل متزايد بمضمون فلسفى واعٍ بذاته، وهو يتوقع أن هذه الحقيقة سوف تحدث أثرها على الفلاسفة ودارسى السينما.
الكتاب تنتقل موضوعاته بكل ما يتعلق بالسينما، فعند التمثيل نرى رؤية كتبها يوهانس ريس حول مركزية التمثيل بالنسبة للسرد السينمائى، فهو يرى أنه فى السينما، تعتمد قيمة التمثيل على قدرات فنيين آخرين مثل مديرى التصوير والمونتيرين، والذين يسبرون أغوار طبيعية مساهمة التمثيل، حيث نحتاج إلى أن نرى الأداء من خلال الصور وشريط الصوت.
فى البداية، فإن خبرتنا بالأداء باعتباره جزءًا من الفيلم تتضمن أن التمثيل يؤثر بالضرورة فى الصورة وشريط الصوت. والصور التى يتم توليدها عن طريق الكمبيوتر، وتعتمد على "اقتناص الحركة" أو "اقتناص الأداء"، توضح على نحو أكثر دقة علاقة التمثيل بالصور. لقد كان داء آندى سيركيس فى دور الغول فى ثلاثية "ملك الخواتم" حالة دالة على ذلك، فبرغم أننا كنا نرى مخلوقاً خيالياً له مظهر خارجى تم خلقه عن طريق الكمبيوتر، كأنه من صنع الرسم فى الفن التشكيلى، فإن حركات الغول الغريبة وإيماءاته ووقفاته كانت تعتمد جميعًا على تكنيك سيركيس فى التمثيل.
ثنائية الممثل والشخصية
يقدم الممثل للمتفرجين متعة رؤية وسماع الأداة الفنية كجزء من الفيلم، لكن يظل من غير الواضح أننا نرى الممثل والشخصية فى الوقت ذاته.
وطبقًا لمعظم التفسيرات، فإن وعينا بالمؤدى يجب ألا يتدخل مع فهم المتفرج للسرد أو استغراقه فيه. ويقدم ناريمور مثالاً مدهشًا من فيلم "ملك الكوميديا" (1983) حيث المجاميع (الكومبارس) فى موقع التصوير (أو ما يمكن وصفهم بالأشخاص العابرين فى السرد) يتوقفون لكى يروا النجم الشهير روبرت دى نيرو والممثلة ساندرا بيرنارد (أو شخصيتهما المتخيلتين فى السرد)، وهكذا فإن صانعى الأفلام قد يتلاعبون بقدرتنا على ملاحظة ظلال لعب الدور لكى يضفوا الصبغة الدرامية على فكرة وجود المشاهير فى شكل جديد، بما يترك المتفرج ليتأمل مستمعتًا بالتباس الهوية ولعب الدور (ناريمور 1988، ص 285). وهذا النوع من التجربة يفترض مسبقًا التمييز بين ما يطلق عليه جورج إم ويلسون العنصر الفوتوغرافى، وما يطلق عليه التجسيد السينمائي. وطبقًا لما يقوله ويلسون فإن "هناك تفاعلاً معقدًا وديناميكيًا بين هذه الأنواع للتجسيد بما يجعل من المستحيل عند تحليل فيلم ما أن نوقف هذا التفاعل من أجل أن نفصل بين عناصره" (ويلسون 1986، ص140).
وفى جدال مثير تناول آرون ميسكين الإجابة على سؤال من هو مؤلف الفيلم؟ وينطلق من أن المخرجين يلعبون دوراً مهمًا فى الحديث والتفكير السائدين حول السينما. إننا فى الأغلب نختار أن نتفرج على الأفلام تبعًا بمخرجيها (إنك تقول مثلاً: "سوف أرى أى شيء يخرجه تيم بيرتون")، ونحن عادة ما نقوم بتقييم وتفسير الأفلام فى ضوء الأعمال الأخرى التى صنعها المخرج ("إنه أفضل ما أخرج منذ فيلمه "إدوارد سايزوهاندز- 1990"، ولقد أكد أن أفلامه لم تصبح أكثر عاطفية". كما أننا نقارن بين عمل لأحد المخرجين وعمل لمخرج آخر (مثلاً، نقارن أفلام هوكس مع أفلام فورد، وأفلام لوكاس مع أفلام سبلبرج).
وربما الأكثر أهمية هو أننا نقوم عادة بتعريف الأفلام حسب مخرجيها ( "هل رأيت فيلم سكورسيزى الجديد؟").
ومن الشائع أيضًا أن المخرج هو الشخص الأكثر أهمية فى عملية صناعة الفيلم. وكما يقرر بوردويل وطومسون، فإنه "بداخل معظم الصناعات السينمائية، يعتبر المخرج الشخص الوحيد الأكثر مسؤولية عن مظهر الفيلم النهائي" (بوردويل وطومسون). ومن الطبيعى أن نعتقد أنه "بسبب" أن المخرج هو الشخص المحورى فى صنع الأفلام، فإن من المنطقى أن نتحدث عنه ونفكر فيه بالطرق التى ذكرناها سابقًا.
وقد تغرى هذه الاعتبارت المرء أن يعتقد أن المخرجين السينمائيين يشبهون فى الكثير من المؤلفين الأدبيين، حتى إننا نكسب فهماً أكبر للأعمال السينمائية بواسطة: 1-استعارة أفضل نظريات المؤلف من مجال الأدب، وتطبيقها على السينما، 2- تعريف المخرجين السينمائيين باعتبارهم يقومون بدور المؤلف، وما يمثله إيرنست هيمنجواى بالنسبة لرواية "أن تملك ولا تملك" (1937)، قد يمثله هيوارد هوكس بالنسبة للفيلم الذى أخرجه عن الرواية فى عام 1944. وبدءًا من الدفاع عن "سياسة المؤلف على يد أشخاص مثل فرانسوا تروفو، إلى شرح أندرو ساريس لنظرية المؤلف"، هناك مدى واسع من النقاد والمنظرين قاموا بصراحة بالتعامل مع العديد من المخرجين الكبار من التيار السائد أو من سينما "الفن" باعتبارهم مؤلفين لكن برغم أن ذلك قد يثبت فى النهاية أنه استراتيجية مثمرة، فإن هناك العديد من الاعتبارات التى يجب التوقف عندها قبل أن نمضى فى هذا الطريق.
أ
ولاً، وبرغم أن من الحقيقى تمامًا أن المخرجين يظهرون بقوة فى المعالجات المعتادة حول السينما، فإنهم ليسوا وحدهم الذين يلعبون دورًا مهمًا، فى حديثنا وتفكيرنا حول السينما. إننا نتحدث عن فيلم "جوليا روبرتس" بنفس القوة والأهمية اللتين نتحدث بهما عن "فيلم آلتمان". وقد ذكر رودولف آرنهايم أنه فى بعض الحالات، مثل فيلم "أنَّا كريستى" (1930)، فإننا "نملك برهانًا غير مباشر، برهانً تجريبيًا، على أن الممثلة الرئيسية كانت المؤلف الأساسى فى الفيلم"، لأنه بدون جريتا جاربو كان الفيلم سيصبح "فيلمًا مختلفًا تمامًا" (آرنهايم 1997، ص68). (انظر داير، 1979، من أجل إلقاء ضوء قوى على أهمية نجوم السينما). وفى بعض الحالات الأخرى، يبدو كتَّاب السيناريو مهمين بشكل خاص، فأفلام مثل "أن تكون جون مالكوفيتش" (1999) و"الشروق الأبدى لعقل بلا ذاكرة" (2004) معروفة بكاتب السيناريو لهما تشارلى كاوفمان، بقدر ما نعرف الفيلم الأول بأنه من إخراج سبايك جونز، والثانى من إخراج ميشيل جوندرى. وعلاوة على ذلك فإن كتاب السيناريو هم الذين يقومون حرفيًا بكتابة النصوص، ومن هنا تبدو مطالبتهم بأنهم مؤلفو الأفلام –على الأقل بطريقة واحدة- مطابقة تقف على أرض صلبة أكثر مما يطالب به المخرجون. ( من أجل دفاع مبكر عن رؤية كاتب السيناريو باعتباره "المصدر الرئيسي"، (انظر كوش 2000). وهناك أيضًا حالات ثالثة، خاصة فى ذروة عصر نظام الأستوديو فى هوليوود، لكن الأمر ليس قاصرًا على تلك الفترة وحدها، فإن منتجين مثل ديفيد أوه سيلزنيك بالإضافة إلى شركات سينمائية مثل هامر، كانوا مهمين بشكل خاص. (انظر شاتز 1988 من أجل عمل مهم حول تأكيد أهمية الشركات والمنتجين). وفى النهاية فإن جائزة الأوسكار لأفضل فيلم تمنح للمنتج! لذلك فإنه ليس من الواضح تمامًا أن المخرجين هم بحق الوحيدون المرشحون –أفضل من غيرهم- لكى يكونوا المؤلفين السينمائيين.
وثانيًا، فإن السينما ببساطة نوع مختلف تمامًا عن الأدب، وحتى برغم أن النصوص تدخل فى صنع الأفلام، فإن الأفلام ذاتها ليست نصوصًا لغوية، وليست هناك فى السينما لغة بالمعنى الحرفى لكلمة "لغة" (كورى 1993، 1995أ)، والأفلام عادة (لكن ليس بالضرورة) تصنع بالعمل الجماعى، وفى معظم الحالات بواسطة مجموعات كبيرة جدًا. والأدب – من الناحية الأخرى- هو فى جوهرة متعلق بالنصوص (قد يكون الأدب الشفاهى استثناء).
وهو ينتج عادة (وإن لم يكن بالضرورة) بواسطة أفراد. انظر ستيللينجر 1991، وإنج 2001، لنظرات مختلفة حول الأدب). لذلك فإن الأدب يبدو نموذجًا فقيرًا لفهم السينما، واقتباس نظريات المؤلف الأدبى فى حالة السينما قد يبدو بشكل خاص مضللاً. بالإضافة إلى ذلك فإن من الحقيقى أن مصطلح "المؤلف" لا يطبق عادة على صناع الأفلام فى العامية الإنجليزية، وربما إذن ليس للأفلام مؤلفون على الإطلاق، أو على الأقل مؤلفون بالمعنى الأدبى للكلمة.
والشك فى فكرة المؤلف السينمائى ذاتها قد يتولد أيضًا من عدة اعتبارات أخرى. وهناك قلق متزايد من أن فكرة المؤلف السينمائى، وأطروحة المخرج مؤلفًا، قد ظهرت على نطاق واسع كناتج بدرجة كبيرة عن حركات النقد السينمائى السابق ذكرها. إن هناك ما يؤكد أن المخرجين لا يبدون دائمًا مهمين على النحو الذى يبدون به، ومن قاموا بالدفاع منذ وقت مبكر عن فكرة المؤلف كانوا يبحثون عن رفع وضع بعض المخرجين من أجل تقدم قضايا السينما والنقد السينمائى، وهذان الاعتبارات قد يقوِّضان وضع المخرج بوصفه مؤلفًا على النحو الذى يبدو طبيعيًا. كما قد يوجد قلق من مفهوم المؤلف، أو على الأقل المفهوم التقليدى حول المؤلف، وأنه لا ينطبق بحق إلا على دائرة الفنون الرفيعة، وهو بالتالى لا ينطبق بشكل ملائم على السينما، والتى تعتبر عادة من الفنون الجماهيرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة