قد تبدو مصادفة أن يتزامن تراجع الصدام الأوروبى الروسى على خلفية اتهام بريطانيا لروسيا بمحاولة اغتيال الجاسوس السابق سكريبال بالغاز، مع تجدد أنباء استخدام السلاح الكيماوى فى دوما بدمشق. فيما يبدو أنه نقل للمواجهة الباردة بين الغرب وموسكو إلى جبهة أخرى.
صمتت بريطانيا بعد تصعيد الأزمة مع موسكو على خلفية محاولة اغتيال سكريبال، وبعد تبادل طرد الدبلوماسيين وإغلاق القنصليات بين أوروبا وأمريكا من جهة وموسكو من جهة، تراجعت حرارة الحرب الباردة. قبل أن تظهر فى مكان آخر.
تراجع الصراع فى قضية حادث الجاسوس دون أن تتطور إلى صدام عسكرى، لتظهر اتهامات غربية لروسيا ودمشق باستخدام سلاح كيماوى ضد المسلحين فى دوما. وبدأت الاتهامات من لندن أيضًا، منطلقة من المرصد السورى، وهو المصدر الرئيسى للصور والفيديوهات ومقره لندن وهناك إشارات إلى علاقته بالاستخبارات البريطانية. وكانت رئيسة الوزراء البريطانية تريز ماى أول من اتهمت روسيا بالضلوع فى الهجوم الكيماوى، حتى قبل أن تظهر أدلة أو تقارير غير الصور التى عرضتها منظمة الخوذات البيضاء الغامضة. سارعت تريز ماى للتنسيق مع الرئيس الأمريكى ترامب والفرنسى ماكرون لرد مشترك على الكيميائى المزعوم فى سوريا، واعتبرت ماى أن هناك مسؤولية مشتركة لروسيا وسوريا. ولم تستطع ماى إخفاء أن هدفها هو مزيد من التضييق على روسيا، التى يبدو أنها ربحت الحرب الإعلامية والدبلوماسية فى قضية سكريبال.
كل هذا يجعل من تفجير قضية الأسلحة الكيماوية فى سوريا وتصاعد الاتهامات من أمريكا وبريطانيا وفرنسا ضمن ملفات الحروب الباردة بالوكالة، والهدف هو موسكو، ولهذا اتسم رد الفعل الروسى بخشونة وتهديدات علنية ومبطنة بالرد حال تعرضت القوات أو المصالح الروسية للخطر. بما يشير إلى أنها حرب بالوكالة الهدف منها روسيا وليس فقط سوريا.
الحرب فى سوريا من بدايتها هى حرب طويلة بالوكالة، ولاتهتم الأطراف الدولية بنهايتها، وبالرغم من الحديث كل فترة عن الحل السياسى، فإن هذا الحل يبتعد لتحل مكانه إشارات حرب باردة وساخنة.
الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، اتهم بشار الأسد بالوقوف وراء الهجوم الكيميائى المزعوم بمدينة دوما، وحمل روسيا وإيران المسؤولية عن دعمه، قائلا إن «الثمن سيكون باهظا».
لكن روسيا وسوريا ردتا بأن الأخبار الوحيدة حول الكيماوى نقلتها وسائل إعلام غربية عن «الجمعية الطبية السورية الأمريكية» و«الدفاع المدنى السورى»، المعروف بـ«الخوذ البيضاء»، أعلنوا عن مقتل 49 شخصا جراء استخدام القوات سلاح كيماوى فى دوما، آخر معقل للميليشيات المسلحة فى غوطة دمشق الشرقية.
قالت روسيا وسوريا إن منظمة الخوذات البيضاء كانت وراء مزاعم استخدام الكيماوى فى كل مرة، واتضح أنها تقدم أفلاما وصورا مفبركة، والفيديوهات التى عرضتها الخوذات البيضاء ظهر فيها مسعفون بلا أقنعة، وبعض الصور مكررة من مرات سابقة، وبعضها مشاهد تمثيلية.
وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، قال إن موسكو ستقدم مشروع قرار إلى مجلس الأمن ينص على إرسال خبراء إلى مدينة دوما السورية للتحقيق فى مزاعم استخدام أسلحة كيميائية، وحسب ميثاق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، يتعين عليها إجراء تحقيق فى المكان وأخذ عينات لدراستها فى مختبرات بشكل يضمن الشفافية.
وصف المندوب الروسى الدائم فى الأمم المتحدة فاسيلى نيبينزيا، الهجوم الكيميائى فى دوما بالغوطة الشرقية بالمزعوم وأنه فبركة واستفزاز، محذرًا من استخدام القوة ضد سوريا وتبعاته. وقال إن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تتبع نهجًا عدوانيًا ضد روسيا وسوريا ووقاحتها تتجاوز نبرة الحرب الباردة.
وفى الوقت نفسه شنت إسرائيل غارات على مطار تيفور السورى، فى ضربات موجهة إلى إيران أكثر منها إلى سوريا، وسقط سبعة إيرانيين فى الهجوم، وفى اليوم التالى وصل مستشار المرشد الأعلى الإيرانى على أكبر ولايتى إلى دمشق، وتوعد إسرائيل بالرد، واعتبر الهجوم على مطار تيفور محاولة إسرائيلية للتغطية على جرائمها فى غزة. وهاجم الولايات المتحدة الأمريكية. التى تتجه نحو مزيد من التصعيد تجاه إيران مع تهديد بإلغاء الاتفاق النووى. لكل هذا تتشابك خيوط الصراع وتنتقل من أوروبا للشرق الأوسط.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة