عدوان جديد ضد سيادة الأراضى السورية شنته قوى غربية متحيزة، بزريعة أشبه بتلك التى اتخذوها قبلا عام 2003 لغزو العراق واستباحة أراضيه، ففى غارات ثلاثية ضمت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، أصحاب التاريخ الاستعمارى الطويل والاعتداء على سيادة الدول، تم قصف دمشق بزعم إستخدام الرئيس السورى بشار الأسد أسلحة كيميائية ضد المدنيين فى مدينة دوما.
لا تمتلك هذه القوى المعادية أى دليل دامغ حتى الآن على وقوف الحكومة السورية وراء الهجوم الذى يشتبه فى أنه كيميائى، على الدومة، وهو ما يقر به الكثيرون من المسئولين الغربيين السابقين داخل البلدان المعتدية. وخلال زيارته للقاهرة، الأسبوع الماضى، أكد وزير الخارجية الفرنسى الأسبق، أوبير فيدرين، أنه لا توجد أدلة حتى الآن على استخدام أن الأسد هو من استخدم الأسلحة الكيميائية.
وبعيدا عن ذريعة الأسلحة الكيميائية التى تشبه أسلحة الدمار الشامل التى زعم بوش امتلاك صدام حسين لها كذريعة لغزو العراق عام 2003، فإن الإعلام الأمريكى لا يبدو أنه يدعم الموقف المتهور للرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى هذه الضربات.
وفى تقرير لها، قالت صحيفة واشنطن بوست أن قصف سوريا يخاطر برد فعل انتقامى من روسيا وهو ما يدفع بتصعيد الأمر نحو حرب لا يرغب الرئيس ترامب فى التورط فيها.
وأقرت الصحيفة الأمريكية، بأن السوريين والرئيس بشار الأسد، واجهوا ضربات العدوان الثلاثى، المكون من طائرات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بالتحدى حيث خرج مدنيين بصحبة بعض الجنود مع فجر السبت، يلوحون بالأعلام السورية تحديا للغارات الجوية.
وأشارت إلى أنه مع شروق الشمس فى دمشق، تجمع المدنيين وجنود الجيش السورى فى ساحة الأمويين لإظهار التحدى للقصف الجوى ولوحوا بالأعلام وقاموا بالرقص والغناء ثناءا للجيش. كما هلل أحد المدنيين أمام كاميرات التليفزيون "نحن جميعنا رجالك يا بشار".
وبالمثل ردت الحكومة السورية بتحدى فى أعقاب قرار ترامب شن تحرك عسكرى ضد المنشآت الكيماوية المزعومة فى سوريا، واصفة الهجوم بأنه عمل عدائى سوف يفشل.
وعلقت صحيفة نيويورك تايمز، فى إفتتاحيتها مشيرة إلى أن الرئيس الأمريكى بحاجة إلى موافقة من الكونجرس على أى عمل أوسع ضد سوريا. وأوضحت أنه بموجب ميثاق الأمم المتحدة هناك مبرران لاستخدام القوة ضد بلد آخر دون موافقتها، وهما إما من أجل الدفاع عن النفس أو بموافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وأشارت إلى أن الحالة الأولى لا تنطبق على الضربة ضد دمشق، وهذه الأخير ستكون مستحيلة نظراً إلى حق روسيا فى النقض "الفيتو".
وأشارت الصحيفة إلى أنه بموجب الدستور الأمريكى، يتم تقسيم صلاحيات الحرب بين الكونجرس والرئيس. ففى رأى معظم الباحثين القانونيين، فإن مؤسسو أمريكا أرادوا أن يقرر الكونجرس متى يجب شن الحرب، إلا عندما تكون البلاد عرضة لهجوم. لكن منذ الحرب العالمية الثانية، دفع الرؤساء من كلا الحزبين حدود السلطة التنفيذية وقاموا بالعديد من العمليات العسكرية دون تفويض من الكونجرس، كما فعل ترامب، العام الماضى، عندما أمر بإطلاق 59 صاروخا كروز على أهداف سورية بعد هجوم بغاز السارين على بلدة خان شيخون التى يسيطر عليها المتمردون.
وكان من المفترض أن يسمح قانون صلاحيات الحرب الصادر عام 1973 للكونجرس باستعادة بعض نفوذه، لكن سجله فى تقويض سلطة الرئيس فى استخدام القوات العسكرية فى الخارج بات أمر مختلط. ففى السنوات الأخيرة، خلص محامو السلطة التنفيذية إلى أن الرؤساء قد يتصرفون من جانب واحد إذا قرروا أن الضرب سيكون فى المصلحة الوطنية وأنه لن يصل إلى أى حرب شاملة تشارك فيها القوات البرية، وهو ما وافق عليه الكونجرس إلى حد كبير.
تظاهرات حاشدة فى دمشق دعماً للجيش السورى
لكن إعتمدت القوات الأمريكية فى السنوات الأخيرة فى عملياتها ضد الجماعات المتطرفة مثل تنظيم داعش بما فى ذلك فى سوريا، على موافقة تحمل اسم "إذن لاستخدام القوة العسكرية" (أوثورايزيشن فور يوز اوف ميليتارى فورس - ايه يو ام اف) صوت عليها الكونجرس بعد اعتداءات 11سبتمبر 2001.
وخلصت الصحيفة الأمريكية إلى ضرورة سن تشريع يضع قيودًا على قدرة الرئيس على شن حرب ضد دول مثل سوريا. وبدون ذلك، سيتخلى الكونجرس مرة أخرى عن مسؤوليته ويتنازل عن صلاحيات واسعة للرئيس المتهور مشكوك فى حكمه.
ولم يخف أعضاء الكونجرس غضبهم من تصرف ترامب الفردى، ووصف السناتور الديمقراطى تيم كاين، الضربات التى تم توجيهها بأنها "غير مشروعة". وأعرب عن تخوفه من إطلاق العنان لترامب قائلا: "اليوم كانت ضربة ضد سوريا. ما الذى سيمنعه بعد ذلك من قصف إيران أو كوريا الشمالية؟"
وعلى الرغم من تأييد الجمهوريين المحافظين لخطوة ترامب، فإن عدد من الأعضاء الجمهوريين إنتقدوا الأمر وقال النائب جاستن أماش، إن هذه الضربات "غير دستورية وغير قانونية وغير مسئولة".