يظل الصراع فى سوريا أكثر تعقيدا مما يبدو فى الظاهر، وطبيعى أن تكون أهداف الدول الكبرى معقدة، سواء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، أو روسيا وإيران وتركيا، فهى أهداف تتعلق بالنفوذ الإقليمى وصراعات القوة، وبالرغم من تناقضاتها، تبقى مطالب وأهدافا مفهومة مقارنة ببعض المواقف المرتبكة لتركيا التى تلعب مع كل الأطراف بشكل يضطر الرئيس التركى أردوغان لإعلان مواقف متناقضة، يؤيد فى بعضها الضربات الأطلسية على سوريا، وفى نفس الوقت يجرى اتصالات مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، ويتشارك مع روسيا وإيران فى مباحثات ممتدة حول الحل السياسى بسوريا.
أردوغان كان أحد المراهنين على داعش والقاعدة أن يسهلوا انتزاع جزء من أراضى سوريا، وكانت تركيا هى ممر دخول وخروج الإرهابيين والمسلحين من كل دول العالم إلى سوريا وبعضهم تلقى العلاج فى مستشفيات تركيا، وحقق أردوغان بعض المكاسب من تجارة غير مشروعة للنفط السورى المسروق مع داعش، لكن بهزيمة داعش والقاعدة خسر أردوغان رهانه، مثل قطر التى راهنت كثيرا على التنظيمات المسلحة، واكتشفت أنها أنفقت مليارات لتمويل التنظيمات الإرهابية من دون تحقيق نتيجة، ولهذا تقف قطر مؤيدة للضربات الأمريكية والبريطانية والفرنسية وهى مساهم رئيسى فى تمويل هذه الصواريخ مع دول إقليمية أخرى راهنت على تخريب سوريا، وقدر البنك الدولى تكاليف الحرب على سوريا بـ70 مليار دولار عام 2016 وهو رقم يضاف إليه 30 مليارا أخرى خسائر للدول المجاورة.
ولا يخلو الموقف الثلاثى، الأمريكى والبريطانى والفرنسى، من غموض بعد ضرب سوريا، ولا يمكن أن تكون أهداف الجميع موحدة، ولدى كل طرف من الأطراف الثلاثة أهدافه التى تختلف من أمريكا إلى بريطانيا، وفرنسا تظل عاملا مترددا تجاه الحرب، فى حين تحاول تريزا ماى رئيس وزراء بريطانيا تصدير جزء من مشكلات بريطانيا الداخلية فى صراعات متعددة مع روسيا أو فى سوريا، بينما تواجه أزمات متعددة مع أزمة الخروج من الاتحاد الأوروبى التى تظل الأكبر وتواجه بريطانيا خلال العقود الأخيرة.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب هو الآخر يحاول تنفيذ وعوده بانتعاش اقتصادى من خلال حرب تنشط تجارة السلاح، ويحاول كسب الرأى العام المنقسم تجاهه، واتهامات أخلاقية ومالية تلاحقه بالرغم من الحرب التى اخترعها.
وبالتالى تبقى قضية اتهام سوريا بإطلاق الكيماوى هامشية، مقارنة بأهداف كل طرف من الضربة على سوريا، فقد وجهت الدول الثلاث ضربات لأهداف قالت إنها مصانع كيماوى، ولم يقع أى تسرب يؤكد أن هذه المناطق تحتوى على معامل الكيماوى.
غموض آخر فى الحسم بنوعية الغاز المستخدم فى دوما، أعلنت فرنسا أن لديها تقارير استخبارية عن تصنيع الغاز فى سوريا، لم تستطع أن تقدم هذه التقارير قبل الاتهام ولا أثنائه، ونفس الأمر فيما يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية التى أعلنت أن لديها تقارير استخبارية تؤكد استعمال الغاز، لكن المتحدث الأمريكى لم يستطع تحديد نوعية الغاز المستخدم فى دوما، هل هو الكلور أم السارين أم الخردل، فإذا كانت هناك تقارير استخبارية عن استعمال الغاز يفترض أنها تحدد نوعيته.
يضاعف من الغموض حول الغاز، ما أشارت له الناطقة باسم الكرملين ماريا زخاروفا التى قالت: إن الضربات التى وجهتها الولايات المتحدة إلى مطار الشعيرات يفترض أنها وجهت إلى مناطق تحتوى على أدلة استعمال الأسلحة الكيماوية، والطبيعى أن تسعى أمريكا للإبقاء على الأدلة، لكنها وجهت ضربات وأزالت الأدلة التى يمكن أن تساعد لجان التحقيق الدولية فى إثبات الكيماوى.
ثم إن النظام والرئيس السورى فى موقف قوى بعد تحقيق انتصارات على التنظيمات الإرهابية فى الغوطة الشرقية وغيرها، وخروج مئات المقاتلين الأجانب والسوريين من الغوطة مثلما غادروا غيرها، كل هذا يجعل من الصعب أن يلجأ الجيش السورى لإطلاق سلاح كيماوى، بينما لم يلجأ إليه فى أوقات أصعب.
ربما يظهر أكثر أن الهدف تعطيل الحل السياسى الذى يفرض نفسه فى سوريا، بعد أن واجهت تنظيمات الإرهاب داعش والقاعدة وأخواتها الهزائم وخرجت من الغوطة الشرقية وغيرها، وحقق الجيش السورى انتصارات مهمة بعد 6 سنوات، ربما تكون الضغوط تمهيدا من الأطراف الدولية إما لعرقلة الحل السياسى، أو منح التنظيمات الإرهابية غطاء يخفف الضغط عليها، تمهيدا لإعادة نشرها فى سوريا أو إشراك بعض الميليشيات فى أى حل سياسى، خاصة أن الهدنة التى أقرها مجلس الأمن الشهر الماضى لم تمنع تقدم الجيش السورى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة