خالد ناجح

تركيا أكبر سجن للصحفيين فى العالم

الإثنين، 16 أبريل 2018 06:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت أشاهد التليفزيون، وكالعادة أقلب فى قنواته، حتى وإن كان البحث دون هدف، هى فقط بحكم العادة، استوقفتنى على إحدى محطات التليفزيون الألمانى قصة «جان دندار» صحفى وكاتب ومنتج أفلام وثائقية تركى، ورئيس تحرير صحيفة «جمهوريت» المعارضة، الذى اعتقل وزميله «أردم غول»، مدير مكتب الصحيفة فى أنقرة، نوفمبر 2015 بعد أن نشرت الصحيفة على موقعها الإلكترونى مقطع فيديو تظهر فيه شاحنات محملة بالأسلحة تابعة لجهاز الاستخبارات التركى متوجّهة لمقاتلين إسلاميين متطرفين فى سوريا، فى الوقت الذى كان فيه أردوغان يحاول دفع هذا الاتهام عن حكومته أمام الانتقادات المتزايدة من الغرب.
 
جاءت الاعتقالات بعد أن توعد أردوغان الرجلين شخصيا، قائلا إنهما «لن يفلتا من العقاب»، وأن جزاءهما «سيكون عسيرًا»، وبالفعل رفع أردوغان شخصيا، دعوى قضائية ضد الرجلين بتهمة التجسس.
 
وبطبيعة الحال أثار هذا التصرف حفيظة الأوروبيين، وأثار ضجة كبيرة فى المجلس الأوروبى لحقوق الإنسان، فقررت مجموعة من الدبلوماسيين الأوروبيين حضور جلسة المحكمة «وهو أمر تقره القوانين والأعراف الرسمية».
 
لكن أردوغان لم يتوان عن توجيه انتقاد لاذع لأولئك الدبلوماسيين ممثلى سفارات 15 دولة أوروبية، وكانت نتيجة هذه الحملة من الرئيس التركى أن قام القاضى بتحويل المحاكمة إلى جلسة مغلقة، مانعًا تغطيتها إعلاميًا أو حضورها من قبل أفراد من المجتمع المدنى، لأسباب تتعلق بالأمن الوطنى.
 
وهو ما دفعنى للبحث عن ملف تركيا فى حرية الإعلام والصحفيين التى تصدع رأسنا به ليل نهار، ووجدت مفاجأة من العيار الثقيل، وأقل هذه المفاجآت أن عدد القضايا التى رفعت ضد المواطنين الأتراك قرابة ألفى قضية فى تهم تتعلق بإهانة الرئيس، والذى يبدو أنه يتابع هذه القضايا بشكل شخصى، بل وصل الأمر بأردوغان أن أمر محاميه بملاحقة اثنين من الرسامين، وانتهت القضية بالحكم عليهما 14 شهرًا، ثم خفف الحكم إلى غرامة بلغت 5500 دولار أمريكى بسبب رسمة اعتبرها مسيئة له.
 
يواصل النظام التركى ممارساته التعسفية وانتهاك حقوق الإنسان فى الداخل، وذلك من أجل التغطية على جرائمه ويده الملوثة بدماء الأبرياء من المدنيين ببلدان عربية كثيرة، فرغم مرور أكثر من عام على محاولة الإطاحة بالنظام التركى، وعلى رأسه الرئيس رجب طيب أردوغان، لاتزال السلطات تواصل عملية التطهير المزعومة التى بدأها منذ منتصف يوليو 2016.
 
ليس هذا فقط، بل تم اعتقال نحو 150 شخصًا بذريعة «نشر دعاية إرهابية» على وسائل التواصل الاجتماعى بشأن العمليات العسكرية التركية المعروفة بـ«غصن الزيتون»، ضد مقاتلين أكراد فى سوريا، بل وصل الأمر إلى فصل القضاة الذين يفرجون عن الصحفيين، وكان أشهرها القرار الذى أصدره المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين بفصل القضاة الذين أصدروا قرارًا بالإفراج عن الصحفيين المعتقلين فى السجون التركية بعد 8 أشهر من الاعتقال لعدم كفاية الأدلة، وبالطبع كان قرار الفصل لهيئة المحكمة التى أصدرت قرار الإفراج عن الصحفيين المعتقلين بتهمة معارضة الرئيس أردوغان، مؤقتًا، دون إبداء أسباب للقرار.
 
وبأمر رئاسى أيضًا، أغلقت 170 مؤسسة إعلامية ودار نشر، بموجب حالة الطوارئ التى أعلنها أردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشلة.
 
الرئيس التركى، والذى تصفه «مراسلون بلا حدود» بـ«المستبد»، فى حملتها للدفاع عن الصحفيين الأتراك المعتقلين، زادت حساسيته من الصحافة والإعلام منذ ظهرت التسريبات المتعلقة بتهم فساد طالت أفرادا من حكومته ومقربين إليه، والتى لا يمكن وصفها إلا بأنها معادية لكشف الحقائق، والذريعة الأكثر شيوعًا بيد الرئيس وأجهزة الدولة هى: الإرهاب، التجسس، إهانة الدولة، التشهير... إلخ.. من التهم التى تشتهر به النظم الفاشستية فى حكمها.
 
ولم يعد الأمر متعلقا بتلك الحساسية المفرطة تجاه أى نقد إعلامى، بل صارت سياسة أردوغان، شخصيا، هى إعادة تشكيل المشهد الإعلامى فى تركيا، بحيث يكون الحديث عن الرئيس وتحركاته مغلّفًا دومًا بالخوف والحذر من قبل الصحفيين، الأتراك والأجانب على حد سواء، وليس هذا بعجيب على شخصية سياسية تتصدر المشهد السياسى التركى منذ أكثر من 13 عامًا.
 
ولكن المتابع لحالة الإعلام التركى المحلى، يجد أنه فى الوقت الذى يحل فيه للصحفى التركى انتقاد الحكومات والأنظمة العربية وتسليط الضوء على سلبيات بلدانهم، يحرّم على الصحفى التركى انتقاد حكومته أو محاولة كشف الستر عمّا يحصل فى بلاده من انتهاكات لحقوق الإنسان أو فساد أو تضييق على الحريات أو مخالفات لأحكام الدستور أو تجاوز للصلاحيات، ويحرّم عليه أن يستقصى عن أمور هى فى نظر الدولة خطا أحمر.
 
فالمتابع للإعلام التركى يجد الأجندات واضحة وترويجها فى وسائل الإعلام المختلفة واضح تماما فى أكثر من 70 قناة تليفزيونية وقرابة 40 صحيفة يومية باللغة التركية، حيث تفتقر أغلب الصحف والقنوات التلفزيونية إلى الاستقلالية، وهى تدعم الخط السياسى الحكومى. وهو الأمر الذى دعا الاتحاد الأوربى ومنظمات دولية لإصدار بيانات إدانة، ومطالب بتحسين أوضاع حرية الصحافة التركية فى ظل مساعى تركيا للانضمام للاتحاد، إذ دعا الاتحاد الأوروبى تركيا إلى احترام حرية الإعلام، وذلك بعد أن اقتحمت الشرطة التركية صحيفة «زمان» المعارضة للرئيس أردوغان، والتى فرضت عليها الحراسة القضائية.
 
هذه العيّنة من الانتهاكات بحق الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية فى تركيا ليست سوى جزء بسيط من مشهدٍ تتضخم فيه الدولة وقياداتها على حساب المجتمع المدنى وحرياته، من خلال استخدام سلطة الخوف واختلاق الأعداء أو تضخيم خطرهم وإلقاء تهم الإرهاب كيفما اتفق، وتوظيف أبواق إعلامية تروج النسخة الرسمية مما يجرى فى البلاد.
 
وأخيرا نوضح ما تستر عليه الكثير من الإعلاميين بأن تركيا جاء تصنيفها عام 2017 فى القائمة السوداء لقمع الحرية والصحافة، بل أصبحت تركيا على رأس «القائمة السوداء» قمعًا للصحفيين وقبعت فى المركز الـ155 عالميًا، وهو ما جعل منظمة العفو الدولية تقول «إن تركيا أكبر سجن للصحفيين فى العالم».









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة