قال الدكتور عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء الأسبق إن قضية الوطن أصبحت قضية محورية، مشيرًا إلى أن قوة أى بلد تقاس بمقدار التفاف المواطن حول هوية الوطن، وبالرغم من أن هويتهم تبقى مختلفة، لكن تبقى الهوية الجامعة هى هويتهم الوطنية.
جاء ذلك خلال الندوة التى عقدت مساء أمس بالمجلس الأعلى للثقافة ضمن فعاليات منتدى "الثقافة القانونية وتنمية الوعى الوطنى" بحضور نخبة من الشخصيات العامة وأساتذة وطلاب كلية الحقوق من مختلف الجامعات المصرية.
وقدم رئيس مجلس الوزراء الأسبق المحاضرة مدعمة بعرض معلوماتي، حيث أكد أن الدولة بمكوناتها "الأرض والشعب والسلطة " هى ـأشياء وأشخاص ولكن حب هذا المكان يأتى من فكرة الوطن، وبالتالى الوطن هو حالة وجدانية تضفى على المكان روح معينة واستعداد للتضحية والدفاع من أجلها، موضحًا أن الوطن هو الفكرة والمعنى والإحساس التى يتوجب على الأشياء والأشخاص الالتفاف حوله.
وأوضح أن مشروع الهوية الوطنية أو كما يحب أن يطلق عليه تعبير "وطننة الدولة"، أى أن الأرض والشعب والسلطة "الدولة" يتم صبغتها بالهوية الوطنية حتى نعيد لهم روح الوطن، مشيرًا إلى أننا نحب الأماكن لأنها تحمل شيئًا وجدانيًا بداخلنا، ويجب ألا يقتصر حب الوطن على اللون والشكل فحسب، ولكن يمتد حب الوطن كحالة وجدانية بداخلنا، وهذا المقصود بالهوية الوطنية.
وتابع "شرف" هناك هويات أخرى دينية وأيديولوجية وغيرها من الهويات التى نقدرها تمامًا فى حقيقة الأمر، ولكن الهوية الشاملة والجامعة فى أى مكان هى الهوية الوطنية فإذا تم تعظيمها سوف نحقق فكرة وطننة الدولة أو فكرة تعظيم الهوية الوطنية، لافتًا إلى أن المحور الرئيسى للهوية الوطنية هو احترام الآخر، وبدون هذه الثقافة سوف يكون هناك حالة استقطاب دائم للجماعات الإرهابية وهو ما يؤدى فى نهاية الأمر إلى حالة من الانقسام داخل المجتمع .
ثم انتقل رئيس مجلس الوزراء الأسبق إلى ثلاثة من الرموز الهندسية التى تعد محركات تناوله للأحداث، أو على حد قوله "أصدقاء محاضرته"، وأولها "التروس" فكما تكلم أرسطو عن التكوين ووجد أن كل شىء فى الدنيا يبدأ بفكرة ثم يتحول لحلم، ثم وراءه غاية يلزم أن يعقبها عملية إنتاج، وثانيهم هو رمز "الميزان" وهو ما شبهه بفكرة العرض والطلب، وأخيرًا التاريخ، قائلاً إذا كانت مصر قد لعبت دورًا محوريًا فى تاريخ العالم، فليس هناك مبرر ألا تلعب دورًا مشابهًا فى مستقبل العالم إذا فهمنا تاريخنا وأسقطناه على حاضرنا.
وشدد "شرف" على ضرورة إعادة شعور الوطن إلى الوعى الجمعى بشكل عام، بأن تكون فكرة الوطن قائمة على تشكيل وجداننا من حيث تحفيزنا على العمل والإنتاج والتضحية، حيث أصبحنا نعانى من صراع بين أصحاب الوطنية الطاهرة الذين لا يؤمنون بأن الدولة شىء والوطن هو روح هذه الدولة، وبين مجموعة من تجار الدين وتجار الوطن، مشيرًا إلى أننا أصبحنا فى صراع خطير بين أصحاب الوطنية الطاهرة وبين هولاء المتلاعبين بالعقول، وبالتالى فإن إدارة هذا الصراع الفكرى يحتاج إلى مواجهة فكرية من خلال مشروع ثقافى تنويرى يدور حول فكرة الوطن والهوية الوطنية، وهذا الصراع يتطلب معالجة أمنية على المدى القصير، وترسيخ فكرة الوطن والهوية الوطنية على المدى البعيد.
وأكد "شرف" أن التفجيرات والعمليات الانتحارية التى تشهدها المنطقة خلال الفتره الحالية الغرض منها اتهام مجموعة ما للبعض الآخر، ومن هنا تبدأ الفرقة والاستقطاب، مشددًا على أن هؤلاء مجموعة من المرتزقة وصناعة قوة دولية عظمى لا تريد لنا الاستقرار وكل ما يحدث من هؤلاء المرتزقة ليس له ارتباط بالدين أو الحالة الوطنية، فهؤلاء لا يعدو كونهم سلعًا بشرية تشترى وتنتقل من مكان لآخر.
وتطرق "شرف" إلى مفهوم الهوية الوطنية والداخل القوى، ضارباً مثالاً بأنه إذا تخيلنا أن إنسانًا جسمه بالداخل قوى وكل أعضائه سليمة ومتجانسه مع بعضها البعض، ولكنه محاط بعدد من أنواع الجراثيم والبكتيريا، ففى هذة الحالة لم يصبه أى نوع من الأمراض لأنه قوى من الداخل، أما إذا كان يعيش فى غرفة معقمة ولكن أجهزته الداخلية ضعيفة ولا تعمل سويًا بشكل متجانس فمن المؤكد أنه سيموت سريعًا، مؤكدًا أن الأهم هو أن يكون الداخل قويًا، فاذا كان الداخل قويا يستطيع أن يحتمل الخارج الملوث، واذا كان الداخل ضعيف فلا يستطيع تحمل الخارج حتى وإن كان نقيًا.
وأوضح أن الوطن الحلم بالنسبة له بمثابة وطن صلب الإطارين ناعم المحتوى، والمقصود هنا بالإطارين هو إطار صلب مادى أى جيش فائق القوة ليحمى الإرض والبشر ،ثم إطار صلب اخر معنوى أى سيادة القانون ،اما المحتوى الناعم أى الوعى الجمعى ويشمل البشر والمجتمع بحيث يكون الوطن قوى من الداخل وان يلتف حول الهوية والا يستقطب ،وبالتالى فانه اذا كان للوطن جيش فائق القوة يحمية ،بالأضافة إلى ضرورة أن يكون هناك سيادة للقانون حتى لا يكون هناك ظلم لاحد ،ثم مجتمع "بشر" على مستوى عال من الوعى لكى يستطيعوا التفرقة بين ما يفيد وما يضر المجتمع .
وشدد "شرف" على أهمية الثقافة الجزعية، مشيرًا إلى أنها بمثابة الخلايا الجزعية التى تعالج العديد من الأمراض والتشوهات داخل الجسم، كذلك الثقافة الجزعية لها دور مباشراً فى العديد من الأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، فعلى سبيل المثال على المستوى السياسى فكيف يكون هناك ديمقراطية دون أن أؤمن بالآخر وبحق الأغلبية والأقلية، وعلى المستوى الاجتماعى أيضًا لا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية دون أن أؤمن واحترم حق الآخر سواء كان ضعيفًا ومهمشًا أو كان يعتنق أيديولوجية مختلفة أو ديانه مختلفة، أيضًا على المستوى الاقتصادى لو لم أكن أؤمن بحق الآخر فى أن يعيش ويستمتع سوف نتحول إلى أنظمة رأسمالية متوحشة لا تراعى الآخر بل تدهسه وتلغيه، إذن اقتصاديًا بدون ثقافة الاَخر من الصعب جدًا الوصول إلى رأسمالية وطنية مستنيرة، بينما على المستوى البيئى وعندما نتحدث عن فكرة التنمية المستدامة فى أساس تعريفها هو ألا تكون التنمية الحالية على حساب الأجيال المقبلة، إذن فكرة الآخر فى هذه الحالة هو زمن مختلف ألا وهو الأجيال المقبلة.
واختتم الندوة قائلاً: نحن بلا شك فى الوقت الحالى أمام تحدٍ وجود يتطلب الداخل القوى حتى يمكن مواجهة تحديات الداخل والخارج، وهذا بدوره يتطلب تعظيم ثقافة الآخرية وتعميق الهوية الوطنية كهوية سائدة لجميع المواطنين، ثم وجه رسالة إلى الشباب عماد المستقبل قائلا: اليوم وبعد أن تخطيت مرحلة الشباب أتذكر كثيرًا من ذكرياتى فى هذا الوطن، من اللحظات التى شعرت فيها بالألم والأمل ولحظات الإنكسار والإنتصار، ذكرياتى مع أبى، أمى، زوجتى وأولادى .
ندوة الهوية الوطنية ورنين الوطن
ندوة الهوية الوطنية ورنين الوطن
ندوة الهوية الوطنية ورنين الوطن
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة