تحدثنا عن الظروف الاستثنائية التى سيطرت على الفترة الأولى لرئاسة السيسى لرئاسة الجمهورية، الشىء الذى حدد نتائج ومنهج وخطط توافقت على ومع المعطيات السياسية والاقتصادية، ومواجهة الإرهاب لتلك المرحلة.
ونحن فى بداية الفترة الثانية لرئاسة السيسى، والتى فاز فيها بنسبة مقدرة من الأصوات التى حصل عليها أو التى ذهبت للتصويت، مما فوّت الفرصة على كل من كانوا يريدون ويخططون لسحب الشرعية الجماهيرية من السيسى، ومن نظام يونيو، تحت زعم وحجة غياب المنافسة الحقيقية فى معركة الرئاسة. لاشك فإن معطيات ومتطلبات المرحلة المقبلة تحتاج تغييرًا حقيقيًا فى كثير من القضايا المهمة، حفاظًا على النظام، وعلى الوطن، وعلى وحدته الوطنية وتماسكه المصرى، والأهم هو رد الجميل لهذا الشعب الصابر والصامد، الذى يقدر المواقف، والذى يبذل ما فى وسعه عند اللزوم، حماية لهذا الوطن دون أن يطلب.
ولذا رأينا ونرى تلك المطالبات التى تسيطر على المجال العام والسياسى، أملًا فى مرحلة جديدة يشعر فيها المواطن بنتائج السياسات والمشروعات التى تمت وطبقت فى المرحلة الأولى، خاصة فى الإطار الاقتصادى والعدالة الاجتماعية، وفى فتح المجال السياسى والعام، وفى مواجهة فكر الإرهاب الذى لا ينتهى بمواجهة الإرهابيين، وعلى كل الأحوال فإن مفتاح أى إنجاز وتتويج أى تقدم والأمل فى المستقبل، والحفاظ على الوطن، ومواجهة كل هذه التحديات الداخلية والخارجية على كل المستويات، يتطلب أولًا وأخيرًا تحقيق توحد مصرى، وتوافق وطنى يقف وراء بل أمام القيادة، فالشعب هو صاحب السيادة وهو المعلم، وبكل وضوح لن يتحقق هذا التوحد وذاك التوافق بغير قبول الآخر، فقبول الآخر هو مفتاح التوحد وهو سر التوافق، وقبول الآخر لا يقتصر على الآخر الدينى فقط، ولكن يشمل الآخر الدينى والسياسى والاقتصادى والاجتماعى والجهوى والقبلى، حيث إن هذا القبول يبنى ويبدأ ويُدشن بقبول الآخر الدينى، لما للدين من تأثير على المواطن، وذلك بصور متعددة وأساليب مختلفة، وقبول الآخر الدينى لن يكون بغير تصحيح وتصويب للفكر الدينى، نقول الفكر الدينى وليس الخطاب الدينى، فالخطاب هو الوسائل المختلفة لتوصيل الفكر الدينى، أما الفكر الدينى فهو تفسير وتأويل والاجتهاد فى قراءة النص الدينى، وهو النص الإلهى، ولما كان الإنسان، مهما كانت قدرته وأيًا كان علمه، فهو محدود وقاصر أمام الفكر الإلهى.
ولذلك حدث ويحدث خلاف فى تفسير وتأويل النص، مما جعل هناك صراعات حقيقية بل دامية بين الطوائف المختلفة فى الدين الواحد، وكذلك بين الأديان المختلفة، تصورًا أن كل واحد وكل طائفة وكل دين يملك أصحابه الحقيقة المطلقة دون غيره، فمثلًا اليهود يقولون إنهم هم شعب الله المختار دون باقى البشرية التى خلقها وأوجدها الله، والمسيحيون يؤمنون بأنه من لم يعتمد من الماء والروح على الطريقة المسيحية لن يرى ملكوت السموات، والمسلمون يعتقدون أنهم هم خير أمة أخرجت للناس، هنا الجميع يفسرون ويؤولون ويتصورون أنهم هم ملاك الحقيقة المطلقة دون سواهم.. نعم من حق كل صاحب دين الاعتقاد فى صحة وحقيقة دينه، ولكن لابد أن يقتنع أيضًا أنه من حق الآخر أن يؤمن بصحيح دينه وحقيقة عقيدته، ذلك لأن الله هو الذى أراد هذه التعددية لحكمة سماوية ولصالح البشر، حيث إن الله الذى أراد هذا الاختلاف وهذه التعددية، هو الذى سيحاسب وحده وفقط البشر أجمعين بكل تعدد دياناتهم وأخلاق عقائدهم، ولذا أدرك الرئيس السيسى هذا جيدًا، فوجدناه ومنذ العام الأول لرئاسته يطلب تصحيح الخطاب الدينى، ولإيمانه بأهمية هذا مازال وسيظل يطالب ويعمل على هذا التصحيح، نعم رأيناه عمليًا يحاول أن يثبت قناعاته بقبول الآخر الدينى باعتباره رئيسًا لكل المصريين، ورسالة لكل من يرفض الآخر الدينى جهارًا نهارًا، ويطالب بعدم المعايدة عليه.. هنا فذهاب السيسى كل عام للمعايدة على المصريين المسيحيين هو رسالة مضادة، بل هى رفض عملى لهذه الأفكار التى لا تناسب المقاصد العليا للإسلام الحنيف.
والأهم أن طلب السيسى الدائم لتصحيح الخطاب والفكر الدينى، هو السبيل الأنجح لمواجهة الإرهاب والأفكار الإرهابية التى تبنى عقيدتها وموقفها على فلسفة رفض الآخر الدينى المسلم، فما أدراك بالآخر غير المسلم، فهذا التصحيح وذاك القبول للآخر لا يكون بغير إيمان صحيح بهذا، ولا بغير تغيير حقيقى وعملى على أرض الواقع، سواء بتغيير كل الأفكار والمناهج والمنابع التى تصب فى نهر رفض الآخر، والتى تعتمد على تفسيرات متعنتة لا توافق لا الزمان ولا المكان، لكنها تستدعى تراثًا بشريًا قابلًا للصواب وللخطأ، ولا يناسب العصر ولا الواقع، وهذا دور الأزهر الشريف ودور الكنيسة، فرفض الآخر هو حالة سلبية يمارسها الجميع فى مواجهة الجميع، كما أن قبول الآخر لابد له من واقع اجتماعى يقرب ويوحد ويوفق، وذلك من خلال، أولًا برامج ومناهج عملية فى المدارس والجامعات، وكذلك خطط وبرامج إعلامية، والأهم هو تفعيل مؤسسات الثقافة، وعلى رأسها قصور الثقافة، للعمل على هذا القبول وتلك المشاركة عن طريق الندوات والمسرح والسينما والموسيقى والشعر، وأخيرًا تحجيم التيار السلفى الذى يعلن بلا مواربة عن رفض الآخر، بما يتنافى مع الدستور والقانون والمواطنة.. هنا لابد من موقف جاد ضد من يسىء للآخر، ولحق المواطنة وللتمييز بين مصرى وآخر.. بهذا نصل إلى توحد وتوافق وطنى نبنى به مصر وطنًا لكل المصريين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة