لولا الزخم الذى أحدثه وزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة، أمس الأول، فى أثناء مناقشة رسالة ماجستير لباحث بالمعهد الآسيوى التابع لجامعة الزقازيق عن «تجديد الفكر الدينى فى الإسلام.. محمد إقبال نموذجًا»، لكان مضمون الرسالة الخطير قد مر مرور الكرام، وحصلت الرسالة على تقدير امتياز.
القصة أن هناك باحثًا بالمعهد الآسيوى، جامعة الزقازيق، يدعى وجدى عبدالقادر، أعد رسالة ماجستير، تحت إشراف الدكتور صابر عبدالدايم، عميد كلية اللغة العربية الأسبق، والدكتورة هدى درويش، عميد المعهد الآسيوى الأسبق، والدكتور غلام قمر الأزهرى، مناقشًا، وبالمناسبة فإن غلام قمرى باكستانى الجنسية، بجانب مشاركة الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، وتضمنت الرسالة أمورًا خطيرة، أبرزها أن الباحث اعتبر كلًا من ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب من المجددين والمتنورين، وقال عن ابن تيمية تحديدًا: «مكث 7 سنوات يحارب فيها البدع والشعوذة والتفسيرات الضالة للقرآن الكريم».
أما الأمر الخطير الذى تناوله الباحث، فهو اعتبار الإخوانى المدشن للعنف سيد قطب أحد المجددين فى الإسلام، وقال عنه نصًا حسبما تضمنته الرسالة: «إن حماس سيد قطب وإخلاصه لقضية تصفية التصور الإسلامى من كل شائبة قد دفع به إلى هذا الموقف الرافض لثمار الفكر الإسلامى فى أزهى عصور الحضارة الإسلامية، وفى الحقيقة فإننا لا نستطيع أن نلغى كل هذه الجهود الفكرية لعلماء الإسلام، فهم لم يكونوا نسخًا مشوهة من فلاسفة الإغريق، وإنما وجدناهم يصفون ما يترجمونه ويحاولون الانتفاع بما يجدونه نافعًا فى مجالات التفكير، فقد وقف علماء الإسلام فى وجه الملاحدة والزنادقة، وأتباع «مزدك» و«مان» و«زرادشت» وناظروهم وأفحموهم، ففكرهم برغم ما شابه من تأثير بالفلسفات الأخرى كان صورة لمقومات الشخصية الإسلامية، ومكونات التصور الإسلامى».
الكارثة هنا تكمن فى أن باحثًا وفى معهد تابع لجامعة حكومية، هى جامعة الزقازيق، يستدل فى رسالته العلمية بابن تيمية، ومحمد بن عبدالوهاب، ثم سيد قطب، المدشن الأول لأعمال العنف والقتل والتخريب والتدمير، واعتبارهم من المفكرين الإصلاحيين والمجددين، ولا يمكن قبول أن الباحث يستعين بطرح بعض المفكرين ورأيهم فى سيد قطب، ثم يخرج علينا بأنه يعرض وينقل عن الغير، وليس من بنات أفكاره، لأن مثل هذه التبريرات عبارة عن دس السم فى العسل!
كما نقل الباحث فى رسالته عن أنه لا اعتراف بالوطن، وأن الوطن مجرد «صنم»، وألصق هذه المقولة بالشاعر الإسلامى محمد إقبال عندما قال نصًا: «أخطر الأصنام الجديدة هى الوطن، وأن إلباسه للدين بمثابة الكفن».
فهل حتى ولو قال محمد إقبال هذا الكلام الخطير أن نستعين به، وتتضمنه رسائل علمية، ويطلع عليها الأجيال، جيلًا بعد جيل من طالبى العلم فى المدارس والمعاهد والجامعات، وأيضًا تُوضع هذه الرسالة كمرجع مهم فى المكتبات؟!
وكما قال الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، فإن الباحث ينقل كلامًا مغلوطًا، وإن مثل هذه الأفكار غير الصحيحة تخدم التكفيريين والداوعش والإخوان، مستشهدا بمقولة مرشد الإخوان الأسبق مهدى عاكف «طظ فى مصر»، وكذلك عبارة «فكرة الوطن تسوق إلى الإلحاد وتقضى على الأديان السماوية».
كما يرى الباحث أن «كثيرًا من الحكومات الإسلامية ضعفت فيها روح الاعتزاز بالدين الحنيف، فاستباح واضعو برامج التعليم العام فى مدارسها ألا يضربوا لعلوم الدين بسهم، ومن يضرب لها فبسهم لا يغنى من جهل، والتعليم الذى لا يهضم فيه جانب العلوم الدينية لا تُرجى منه تهيئة نشء، تتساقط عليهم الشبه فيطردونها، أو توسوس إليهم الشياطين فيستعيذون منها».
ما جاء فى الرسالة الكارثية أثار غضب وسخط وزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة، وخرج عن شعوره، وارتفع صوته عاليًا، متهما الباحث بالإساءة لفكرة الوطنية والدين، وفقا لما جاء فى صياغته للرسالة، وقال: «لولا أننى متأكد أن الباحث كتبها عن جهل وعدم معرفة لكنت أحلته لمجلس تأديب، واتخذت جميع الإجراءات اللازمة ضده ليكون عبرة لغيره»، ثم هدد بالانسحاب من المناقشة.
وأنا أتفق مع الوزير، وغيرته الدينية والوطنية، كونه أحد الحراس الرسميين، دينيًا وسياسيًا، عن هذا الوطن، وأثمّن موقفه، وأقدّر انفعاله الصاخب، فكيف يقبل رئيس جامعة الزقازيق أن تتم مناقشة رسالة فى مدرجات الجامعة، تعتبر سيد قطب مفكرًا مُصلحًا ومجددًا، ويُستعان بآرائه فى المسائل الفكرية والفقهية؟!
مضمون الرسالة، وخطورتها يفتحان الباب على مصراعيه أمام ضرورة إعادة تقييم كل الرسائل العلمية- سواء كانت رسائل ماجستير أو دكتوراة، أو حتى كانت أبحاثًا- التى تمت مناقشتها من قبل، خاصة أن هناك تلميحات خرجت خلال الساعات القليلة الماضية على لسان قيادات بارزة بجامعة الزقازيق، تؤكد أن هناك رسائل ماجستير ودكتوراة تتضمن أفكارًا كارثية تمت مناقشتها من باحثين بالمعهد الآسيوى وتمت إجازتها، فيجب فورًا على رئيس الجامعة، ومن قبله وزير التعليم العالى، الدكتور خالد عبدالغفار، الإسراع بتشكيل لجنة لمراجعة كل الرسائل التى تمت إجازتها، وتشديد الرقابة على كل الرسائل التى ستتم مناقشتها فى المستقبل!
ملحوظة:
جامعة الزقازيق تضم معظم قيادات الإخوان فى سلك التدريس، منهم المعزول محمد مرسى، وأحمد فهمى، رئيس مجلس الشورى السابق، والذى يعمل الآن.