هل يغضب قيادات الأزهر حقًا من فكرة دمج التعليم العام والأزهرى فى إطار خطة التطوير الاستراتيجية للعملية التعليمية بمصر؟ لماذا يغضبون؟ أهو التعصب للكيان وكأنه دولة داخل الدولة قائمة بذاتها مكتفية بنفسها؟ أم هو المنطق نفسه الذى حكم الأزاهرة فى أوائل الستينيات من القرن الماضى عندما أطلق الرئيس عبدالناصر مشروعه التطويرى للأزهر؟ أحقًا لدى مشايخ الأزهر شعور بأنهم يملكون الحقيقة المطلقة والعلم اللدنى الذى لا يدانيه علم؟
أول تصريح خرج من الأزهر بعد الفكرة التى ألمح إليها وزير التعليم، ثم تراجع عنها فى تصريحات متكررة، وكأنه مطالب بالابتعاد عن الموضوع، كان للدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف، فى سياق طمأنة الأزاهرة المنزعجين، ودفاعًا عن طبيعة التعليم الأزهرى بحالته الراهنة واعتبار أن المساس به مساس بمصلحة الوطن، وذهب الدكتور شومان إلى التوضيح الواثق بأن الحال باق على ما هو عليه، وأن تصريحات وزير التعليم تخص فقط رياض الأطفال فى المستقبل.
يا دكتور عباس، وسواء كان تصريح وزير التعليم يخص مرحلة رياض الأطفال أم لا، وحتى بعد تصريحاته المتتالية التى ينفى فيها الاتجاه إلى دمج التعليم العام بالأزهرى، فالفكرة فى كل الأحوال خرجت إلى النور وأصبحت بذرة فى الضمير العام، وفى العقل الجمعى المهموم بتجفيف منابع التطرف والإرهاب ووقف التفسيرات المنحرفة والمتطرفة لبعض الأصول العقائدية والفقهية المختارة ضمن مناهج التعليم الأزهرى.
ما الذى يمنع يا دكتور عباس أن يكون لدينا مشروع متكامل يجعل من التعليم الأزهرى تعليمًا مدنيًا خالصًا، على أن تكون دراسة المواد الدينية والعلوم الشرعية اختيارية للطلاب بالجامعات والمعاهد الأزهرية؟ ماذا يمنعنا من استكمال مشروع التطوير الذى بدأه الرئيس عبدالناصر ثم توقف وانقطع خمسين عامًا، وخلالها ظهرت العديد من التيارات الإرهابية التكفيرية والجماعات المتطرفة التى اختطفت الإسلام وشوهت صورته وكان من بين قياداتها ومرشديها ومعلميها وعرابيها رجال أزاهرة للأسف الشديد.
ولا أدرى لم الانزعاج يا دكتور عباس، وكنت أتوقع أن يكون رجال الأزهر وعلماؤه هم أول المرحبين، لأن على عاتقهم تقع المسؤولية التاريخية لمواجهة كل أشكال الفكر المتطرف والنزعات التكفيرية والجماعات المنحرفة مثل جماعة الإخوان التى تربى كثيرًا من أعضائها بالجامعات والمعاهد الأزهرية، بل إن مفتيها الهارب المطلوب للعدالة عبدالرحمن البر يحرص أن يسبق اسمه دائمًا بلقب من علماء الأزهر الشريف.
نحن نحتاج إلى المصارحة والمكاشفة يا دكتور عباس، ويا قيادات الأزهر، ولا حاجة بنا مطلقًا إلى التمترس وراء قناعات قديمة أو كهنوت مستحدث، فالإسلام ليس به كهنوت والأزهر الشريف جامعة عريقة عليها أن تراجع نفسها ومناهجها ومشروعاتها العلمية لتواجه تحديات العصر، بدلًا من الاحتماء بالمؤلفات القديمة التى تصادر اللحظة الراهنة وتسحب عليها فهم أناس لم يعيشوها ولا يعرفون ما تحتاجه من إبداع واجتهاد.
نقول إن المقترح بجعل المواد الدينية والعلوم الشرعية اختيارية ضمن خطة تطوير ودمج التعليم العام والأزهرى، ليس كافيًا، وليس هو صلب التحدى الذى نواجهه، علينا أن نسأل أنفسنا ماذا قدمنا من اجتهادات لمواجهة تحديات العصر؟ وماذا قدمنا من إضافة للحضارة الإنسانية خلال الخمسين عامًا الماضية؟ وهل سنظل على تخلفنا وإفلاسنا لدرجة أن يضع غلاة الصهاينة الغربيين التفسيرات للإسلام والصورة النمطية الرائجة لديننا الحنيف وترسم التوجه العالمى للفرد المسلم؟
هل لدينا إجابات حقيقية يا دكتور عباس؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة