تتحرك الدبلوماسية المصرية بقوة بعد التغييرات الكبيرة التى شهدتها الساحة الإثيوبية، وانتخاب رئيس الوزراء الجديد الدكتور أبى أحمد، وذلك بعد شهر واحد من استقالة رئيس الوزراء الإثيوبى هايلى ماريام ديسالين، تلك الاستقالة التى قدمها ديسالين كانت قد عطلت اجتماعا ثلاثيا يضم رؤساء وزراء دول مصر والسودان وإثيوبيا، ووزراء الرى فى الدول الثلاث، كان مقررا فى نهاية فبراير لينعقد فى الأسبوع الأول من إبريل فى الخرطوم، أى بعد أيام من مراسم حلف أبى أحمد لليمين الدستورية كأول رئيس وزراء يتولى المنصب من الأورومو.
قد يفهم من ذلك أن قضية المفاوضات حول أزمة سد النهضة تأتى ضمن أولويات رئيس الوزراء الجديد، وتوقع الخبراء والمتابعون لملف سد النهضة، بأن تكون مواقف رئيس الوزراء الجديد أكثر تعقلا، مع دولتى المصب مصر والسودان إذ يتمتع الرجل بخلفيات عسكرية وسياسية فضلا عن انتمائه لأكبر مجموعة عرقية فى البلاد والتى كانت تقود الاحتجاجات المناهضة للحكومة السابقة على مدار ثلاث سنوات، إذ يقول المحللون إن الرجل سيكون أكثر مرونة حيال التفاوض حول فترة ملئ الخزان الذى من شأنه أن يضر بحصة الدولة المصرية المائية، ووفقا لما أدلى به رئيس الوزراء الجديد فإنه من المستبعد أن يتخيل البعض أن يتم التراجع عن المشروع ككل، إذ كان أول تصريح يطلق أبى أحمد حول السد باعتباره موحد الإثيوبيين، وبعيد عن التصريحات فإن السياسة الخارجية المصرية دائما ما تتعامل مع دول وليس مع أشخاص.
بالتالى فمسار مفاوضات سد النهضة معروفة ومحددة، وتم الاتفاق عليها بين الدول الثلاث، والدولة المصرية تتفهم جيدا الظروف التى مرت بها إثيوبيا، والتى بناء عليها تم الاتفاق على تأجيل الاجتماع خاصة أن مصر تحرص على تحقيق استفادة إثيوبيا من التنمية عبر مشروع سد النهضة دون أن يتعارض ذلك مع ضمان حماية حق الدولة المصرية المائى.
وهو المعنى نفسه الذى تحرص عليه الخارجية المصرية فى كل التصريحات والمقابلات، والذى من خلالها تؤكد دائما بأن ملف سد النهضة وعلى الرغم من كونه أحد التحديات، إلا أن الدولة المصرية تبنت دائما سياسة محددة للتعامل مع هذا الملف قائمة على بناء الثقة والتعاون مع إثيوبيا والسودان.
وهو ذات المعنى الذى أرساه الرئيس عبد الفتاح السيسى عندما قام بزيارته إلى إثيوبيا، وألقى كلمة أمام البرلمان الإثيوبى، وأشار فيها بضرورة توحيد الهدف المشترك وهو الحفاظ على حق الدولة المصرية المائى مع تحقيق مصلحة إثيوبيا فى نفس الوقت.
هذا الموقف الوسطى المنضبط الذى تحرص مصر من خلاله على تحقيق مصالح دول الجوار والمشاركة فى تنمية هذه الدول، مع الدفاع على حقوق الدولة المصرية الأصيلة فى الماء، وهو الخط الذى تتميز به السياسة المصرية فى إطار تميزها بإدارة سياسة دولية شريفة، فلا إفراط ولا تفريط، وهو أمر يستدعى التعامل بواقعية وحكمة، وصلابة فيما يخص حماية حق مصر المائى مما يستوجب التعامل بكل جدية ويقظة وإيجابية مع هذا الملف، مع الالتزام بكل الاتفاقيات الدولية .
إن الطريق طويلا وليس سهلا، ولكن يجب الحفاظ على الشراكة الثلاثية فإذا نجحت تجربة التعاون بين مصر وإثيوبيا والسودان ستكون نموذجا للتعاون بين دول حوض النيل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة