محمد شومان

سنة أولى هيئات تنظيمية للإعلام

السبت، 21 أبريل 2018 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نص الدستور المصرى الذى صدر فى يناير 2014، على تشكيل ثلاث هيئات مستقلة هى المجلس الأعلى للإعلام وهيئة لتنظيم الصحافة، وهيئة لتنظيم الإذاعة والتليفزيون، وتهدف الهيئات الثلاث إلى تنظيم أوضاع الإعلام والارتقاء به، ومنع الاحتكار وتنظيم منح الرخص وإدارة وسائل الإعلام المملوكة للدولة، لكن القانون المنظم لعمل الهيئات لم يصدر إلا فى ديسمبر 2016، وأعلن عن تشكيل الهيئات فى إبريل 2017، أى أنها أكملت هذا الشهر عامها الأول، وأعتقد أنه من المهم تقييم أداء هذه الهيئات من خلال طرح سؤال كبير وهو: هل نجحت فى تغيير النظام الإعلامى المصرى وحل أهم مشكلاته وتنظيمه والارتقاء به؟
 
بصياغة أخرى للسؤال: هل نجحت الهيئات الثلاث فى وقف ما يوصف بالفوضى والانفلات فى أداء أغلب وسائل الإعلام المصرى، وهل جعلت من الإعلام فضاء للحرية والتنوع وتقديم الحقائق والمعلومات للجمهور، أم أن مشكلات الإعلام المصرى على حالها باقية، وما تزال الأوضاع الاقتصادية الصعبة تحاصر إعلام الدولة والمشتغلين به؟
 
أتصور أنه من الصعب تقديم إجابة نهائية وحاسمة، ولكن أعتقد أن محصلة أداء الهيئات الثلاث خلال العام الماضى جاء متواضعًا للغاية، وأقل بكثير من الآمال والتطلعات الشعبية والرسمية بشأن تنظيم الإعلام المصرى، ودفعه لاستعادة دوره ومكانته العربية والإقليمية. ومازال الإعلام المصرى للأسف محاصرًا بضعف الإمكانيات المادية وغياب المهنية وضعف الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية، علاوة على عدم التطبيق الفعال والسريع لميثاق الشرف الإعلامى.
 
كان هناك رهان شعبى ورسمى على قدرة الهيئات الثلاث على إحداث تغيرات هيكلية سريعة خلال الأشهر الأولى من انطلاق عملها، لكن يبدو أن هناك أسباب أغلبها غير معلن قد أدت إلى ارتباك أداء الهيئات الثلاث أهمها:-
 
أولا: غياب الرؤية والإرادة، إضافة إلى ضعف الموارد المالية والتأخر فى تخصيص ميزانيات كافية لتشكيل الهيئات واللجان الفرعية التى يفترض أن تساعد كل هيئة من الهيئات الثلاث على القيام بالأعمال والمهام التى نص عليها قانون تشكيلها، ولاشك أن امتلاك رؤية لإصلاح منظومة الإعلام وضمان مهنيته وحريته، هى الأهم والأبقى، لأن الرؤية هى التى تحدد السياسات والإجراءات، وما أحوجنا فى مصر إلى الرؤى والاستراتيجيات بدلا من الكلام الكثير عن الإجراءات والتفاصيل، ولاشك أن امتلاك رؤية إعلامية يتطلب تفكيرًا وجهودًا بحثية وحوارًا مجتمعيًا، وهى أمور ممكنة وبمقدور الزملاء أعضاء الهيئات التنظيمية الثلاث انجازها إذا قرروا العمل فيها، لأنها ليست أمورًا مستحيلة أو جديدة، فهناك تجارب مصرية ودولية ممكن الاستفادة منها وتطويرها
 
ثانيا: تأخر إصدار لائحة تنفيذية لقانون تنظيم الإعلام توضح صلاحيات كل هيئة من الهيئات الثلاث وعلاقتها ببعضها وآليات عملها، وجاء الإسراع ببدء عمل الهيئات الثلاث ليخلق أوضاعاً ومشكلات إجرائية ولوجيستية صعبة، فكيف يمكن لكل هيئة العمل من دون وجود لائحة تنفيذية، وبخاصة أن القانون ذاته أحال توضيح كثير من الإجراءات إلى اللائحة التنفيذية؟.
 
من جهة أخرى، فإنه لم تكن هناك مقار أو هياكل إدارية مساعدة لكل هيئة، حيث فوض القانون لكل هيئة وضع قواعد عملها وأنظمتها الإدارية. من هنا فقد ساد الارتباك والصراع على بدايات عمل الهيئات الثلاث ودار صراع بين المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للإعلام «تختص بإدارة الإذاعة والتلفزيون المملوك للدولة»، حيث بادر رئيس الهيئة بالسيطرة على مقر وزارة الإعلام لأنها داخل مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون الذى يفترض أنه سيديره، بينما اعتبر رئيس المجلس الأعلى للإعلام أن هذا المقر من حقه باعتبار أن سلطات المجلس أوسع وأعلى من سلطات الهيئة.
 
ثالثا: عدم إصدار قانون للصحافة والإعلام يعالج حقوق وواجبات الصحفيين والإعلاميين، حيث لم يعتمد البرلمان على ما جاء فى مشروع قانون لجنة الخمسين وأدخل عليه تعديلات واسعة، حيث اقتصر القسم الثانى من المشروع على صلاحيات وأهداف الهيئات الإعلامية الثلاث ولم يتطرق إلى القسم الأول الخاص بحقوق وواجبات الصحافيين والإعلاميين. ووعد البرلمان بإصدار قانون جديد منفصل بحجة أن الدستور ينص على ضرورة عرض القوانين الخاصة بتنظيم أوضاع الصحافيين والإعلاميين على الهيئات الثلاث، ومازلنا فى انتظار إصدار هذا القانون الذى ناقشته لجنة الإعلام بالبرلمان.
 
رابعاً: مشكلة عدم التوازن فى عضوية الهيئات الثلاث، حيث ضمت عددا من الصحافيين والإعلاميين وممثلين لهيئات حكومية وللقضاء وأساتذة الإعلام فى الجامعات، لكن لا يوجد بين هؤلاء ممثلا للمعارضة، كما لم تتمثل الصحافيات فى هيئة الصحافة، وغاب جيل الوسط عن عضوية الهيئات الثلاث، فأكثر من %70 فوق الستين وربما أكبر.
 
خامساً: عدم وجود قواعد أو تقاليد تضمن عدم تضارب المصالح، فكثير من أعضاء الهيئات الثلاث يعملون فى الصحافة والإعلام وبعضهم كتاب أعمدة ومقالات ومقدمو برامج، وبالتالى ليس من المنطقى أن يمثلوا المجتمع فى تنظيم الإعلام وحماية الحقوق الاتصالية للمواطنين وفى الوقت نفسه يمارسون المهنة، أى أنهم سيمثلون الحكم والخصم، لذلك اشترطت بعض التجارب الدولية فى التنظيم المؤسسى للإعلام أن يمتنع أعضاء الهيئات التنظيمية عن العمل فى الإعلام أثناء فترة عضويتهم، بينما لم يشترط القانون المصرى ذلك وإنما حظر على الأعضاء القيام بأى عمل يتعارض مع استقلال المجلس من دون أن يحدد هذا العمل أو ظروفه.
 
المشكلات السابقة ربما تفسر النتيجة المتواضعة لأداء الهيئات الثلاث بعد سنه أولى من التأسيس والعمل، ومحاولة إثبات الوجود، لكنها مشكلات من الممكن التصدى لها وإيجاد حلول سريعة فى مقدمتها امتلاك رؤية لدور الإعلام فى النظام السياسى، وكيفية ضمان حقوق المواطن الاتصالية والإعلامية وحمايته من تغول الإعلانات، وكذلك ضمان الإفصاح والشفافية فى تمويل الإعلام الخاص، باختصار المطلوب كثير والإنجاز محدود ولا يحقق المطلوب أو المأمول.
وقد يقول البعض إن سنة من عمر الهيئات التنظيمية لا تكفى للتقييم والحكم عليها، وهذا كلام صحيح جزئيا، لكن أنا هنا لا أقدم حكما أو تقييما نهائيا، وإنما رسالتى ببساطة أن الأداء فى الفترة الماضية غير مبشر، والمسار متعثر، ونكاد لا نشعر بوجود المجلس الأعلى للإعلام إلا عند توقيع عقوبة أو منع إعلان، وهى أمور قد تكون مطلوبة، لكنها أقل بكثير من المطلوب من المجلس وهيئاته المختلفة.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة