إسلام الغزولى

الحوت القاتل

الجمعة، 27 أبريل 2018 08:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لا أعرف سببا يدفع البعض لإنكار حدوث الأزمة، على الرغم من ثبوت حدوث زيادة معدلات حالات الانتحار العالمية، والمؤكد أن المراهق الذى انتحر ليس وحده الذى خضع لمثل هذه الضغوط النفسية والذهنية التى قد تدفعه للانتحار، خاصة بعد أن نشرت شقيقته منشورا على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك أكدت فيه انتحار أخيها قد حدث بسبب لعبة "الحوت الأزرق"، والتى تبدأ بـ"أوامر تافهة تصل للاستحواذ التام"، بل ننكر ذلك حتى بعد إلقاء القبض على مصمم التحدى الذى يستهدف المراهقين، واعترف أنه كان يثقلهم بممارسات نفسية غاية فى القسوة والبشاعة، حتى يدفعهم إلى الانتحار.

 

ولا أعرف أيضا لماذا يميل البعض للمبالغة وأخذ الموضوع إلى مربع مختلف وتفسير الأمر كظاهرة غيبية مثل استخدام السحر والشعوذة فى السيطرة على هؤلاء المراهقين الضحايا، والذهاب بعيدا جدا عن مربع ظاهرة التنمر الإلكترونى، وهى ظاهرة تشغل العالم أجمع وتسببت فى انتحار مئات من الأطفال والمراهقين، والبالغين حتى من قبل اختراع تحدى الحوت الأزرق.

 

لكن لكى نفهم ما يحدث فى تحدى الحوت الأزرق، يجب أولا أن نفهم ما هو التنمر، وماهية الابتزاز والضغط على الأطفال أو المراهقين الذى يوصم الشاب بين أقرانه بصفات لا يحبها ويشعر معها بالإهانة الشديدة والقهر، وقد يصل التنمر إلى حد الضرب والإيذاء البدنى، والتهديد بالفضح إذا لم يستجب الضحية ويخضع لكل الأوامر التى يتلقاها، وهو بالمناسبة أمر موجود حول أطفالنا طوال الوقت، وبالمثل فإن استخدام وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة فى عملية التنمر، ربما يجعل الأمر أكثر فداحة وتأثيرا، إذ لن تخفت الوصمة التى يخشاها الطفل، بل ستتنامى وتنتشر سريعا وتصل لكل الدوائر التى يتحرك فيها الطفل.

 

مصمم التحدى فى الحوت الأزرق على الأرجح استخدم حالة مركبة من اختراق الخصوصية أو ما يعرف بـ الهاكر والتنمر الإلكترونى، فالمراهق الذى يقوم بتنزيل اللعبة، غالبا يتم الحصول على كل البيانات الموجودة على حسابات الضحية الشخصية والبيانات المدونة على الهاتف، ليتم استخدامها ضد الضحايا وإقناعهم بأن مصمم التحدى له قدرات فائقة، بل إنه قد يتم استخدام أكثر من ضحية فى إيذاء بعضهم البعض، إذا ما صادف وتواجد منهم اثنين فى أماكن متقاربة.

 

لعل حالات الاكتئاب التى بات يعانى منها الصغار دون وعى حقيقى من الأهالى، والقسوة والمبالغة فى إطلاق الأحكام القاطعة دون مراعاة لصغر سن هؤلاء المراهقين هى الثغرة التى نفذت منها هذا التحدى المميت لضحاياه.

 

إن الدرس الذى يجب أن نتعلمه جميعا من قصة الحوت الأزرق، هو الحفاظ على جسر التواصل بين الأسر وأبنائهم، وعدم الاكتفاء بما يبدو على السطح من تصرفاتهم، فأغلب ضحايا التنمر هم أطفال بالغو الرقة والمثالية، لم يستطيعوا مواجهة قسوة العالم، وأحكام الوصم الاجتماعى التى نطلقها طوال الوقت بلا رحمة.

 

كل ما سبق يقول إننا فى حاجة إلى نشر الوعى أكثر بمعنى التنمر الإلكترونى، وهو ظاهرة خبيثة تغزو العالم أجمع، وفهم أعراض الاكتئاب التى تظهر على بعض الصغار وسرعة علاجها دون مبالغة أو تهويل أو وصمه بالجنون، بدلا من العمل على نشر المصطلح وتطبيقه بين الصغار وإثارة فضولهم تجاهه، وتحويله إلى شماعة نعلق عليها كل أخطائنا فى تربية أبنائنا.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة