إشارة تحمل أكثر من مغزى، أن تستبق الولايات المتحدة الأمريكية قمة الكوريتين بنشر مجموعة صور تجمع الزعيم الكورى الشمالى كيم جونج أون، مع مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق، ووزير الخارجية الحالى مايك بومبيو، خلال عيد الفصح الماضى فى العاصمة الكورية الشمالية بيونج يانج.
نعم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب سبق وأعلن عن هذا اللقاء قبل أسبوعين تقريباً، لكن أنا أتحدث عن الصور التى نشرتها الإدارة الأمريكية مساء أمس الأول الخميس، بعد ساعات قليلة من موافقة الكونجرس الأمريكى على تعيين مايك بومبيو وزيرا للخارجية، وقبل ساعات من اللقاء التاريخى الذى تم أمس بين زعيم كوريا الشمالية كين كيم جونج أون ورئيس كوريا الجنوبية مون جيه- إن، وكأن واشنطن تريد أن تقول للجميع إن الملف الكورى الشمالى هو حصرى لها، فمهما حدثت تفاهمات بين الكوريتين، لكن تظل واشنطن صاحبة الحق الحصرى فى القول إن الأزمة انتهت أو لاتزال محل تفاوض نقاش.
قلت قبل ذلك فى عدة مقالات إن كوريا الجنوبية فى عهد الرئيس الحالى مون جيه- إن، انتهت إلى نتيجة منطقية، وهى أن الوقت حان لحل أى خلاف مع جيرانها الشماليين، لأن من مصلحة سيول وبيونج يانج أن يفتحا صفحة جديدة تعيد الهدوء والاستقرار مرة أخرى إلى شبه الجزيرة الكورية، لأن التوتر لا يفيد أحدا إلا أطراف إقليمية ودولية لا يهمها إلا أن يسود التوتر بين الكوريتين، وبالفعل أخذ رئيس كوريا الجنوبية خط الحوار مع الشماليين، وتصادم كثيراً مع الرغبة الأمريكية التى كانت تريد تصعيد الموقف فى كوريا الشمالية، لكن يبدو أن الاستراتيجية الجنوبية الجديدة جعلت واشنطن تعيد حساباتها، خوفاً من أن تنفلت الأمور من تحت سيطرتها، فقررت أن تأخذ خطوة مفاجئة للجميع، بأن ترسل مدير مخابراتها إلى بيونج يانج ليضع مع زعيم كوريا الشمالية الخطوط العريضة لحوار بين البلدين، ولا أستبعد أن تكون الصين على دراية تامة بما حدث ويحدث، كونها الراعى الرئيسى للشماليين، وأيضاً لا أتصور أن تكون هناك زيارة لبيونج يانج دون علم بل موافقة من بكين، وهو ما يعد رسالة ثانية من واشنطن بأن علاقاتها مع بكين تأخذ بعداً آخر، بعيداً عن الصراعات السياسية والاقتصادية المشتعلة.
أقول إننى صاحب اتجاه فى الأزمة الكورية الشمالية، مفاده أن واشنطن تريد أن تكون الراعى الحصرى لهذا الملف، مع ترويض بقية الأطراف، سواء كانت كوريا الجنوبية أو اليابان أوالصين أو حتى روسيا التى لها تواصل ودور فعال على القيادة الكورية الشمالية، لأن إدارة دونالد ترامب تريد أن تجمع كل الكروت فى يدها، دون أن تمنح أيا من الأطراف الفرصة ليكون له رأى.
فى هذا الإطار جاءت الخطوة الأمريكية فى توقيت نشر صورة زعيم كوريا الشمالية ومدير المخابرات الأمريكية، الذى اختير وزيراً للخارجية، آخذاً فى الاعتبار أن اختياره فى هذا المنصب يصب فى صالح الفكرة الرئيسية، وهو فرض السيطرة الأمريكية على الملف، فبنظرة سريعة لشخصية بومبيو صاحب الـ54 عاماً، سنجد أنه منذ تعيينه فى نهاية يناير 2017 على رأس وكالة الاستخبارات الأمريكية الأقوى فى العالم، اعتمد بومبيو لهجة عدوانية وأحيانا حربية واعدا بـCIA أكثر «قسوة» خصوصا فى مواجهة طهران وبيونج يانج، وهما ملفان سيجد نفسه فورا فى مواجهتهما كوزير للخارجية، لكنه فى نفس الوقت وفى خطابه أمام الكونجرس قال: «لم أكن أبدا نصيرا لتغيير النظام» فى كوريا الشمالية مع تأكيده أنه مستعد للقمة التاريخية بين ترامب ورئيس كوريا الشمالية المقررة نظريا بحلول بداية يونيو، وهو ما يعطى انطباعا مبدئيا أننا أمام شخص يجيد فنون المناورة السياسية، وهو ما جعله مفتاح الحل فى كوريا الشمالية، وفى نفس الوقت يعرف عنه مناصرته القوية لسياسة ترامب، على عكس تيلرسون الذى كان يأخذ خطا معاكسا لمواقف ترامب.
ويتزامن تسلم بومبيو وزارة الخارجية مع تعيين جون بولتون مستشارا للأمن القومى، وهو ما أعطى انبطاعاً أن توجه الإدارة الأمريكية يتجه نحو سياسة خارجية متشددة، والتشدد هنا لا يعنى الرغبة فى الدخول فى نزاعات عسكرية، لكنها تشير إلى أن واشنطن ستبحث دوماً عن الحصرية فى كل الملفات، حتى وإن لجأت إلى بعض الأطراف كمساندين وداعمين لها، مثلما فعلت فى الملف السورى، حينما استعانت ببريطانيا وفرنسا لتجميل شكل الضربة العسكرية المحدودة ضد أهداف سورية، وهو ما يتحقق الآن فى كوريا الشمالية، فرسالة واشنطن للجميع أنها من تقرر المستقبل والحل أيضاً وليس غيرها.