ما الذى حدث فى مدينة القاهرة الجديدة؟ كيف غرقت التجمعات فى شبر ماء؟ وهل أصابتنا صدمة لأن أحدث مدننا غير قادرة على مواجهة ظروف طبيعية عادية ومتوقعة؟ وهل شعرنا بالخيبة تسرى فى عروقنا لأن مسؤولى المدينة أغلقوا هواتفهم فى وجه المواطنين؟ وهل حاولنا أن نسخر من الأمر كعادتنا وفشلنا لأننا وجدنا المأساة أكبر من الضحك؟ أسئلة كثيرة دارت فى أذهاننا فى الأيام القليلة الماضية، لكن ينقصها سؤال خطير: لماذا فقدنا الخيال فى حياتنا؟
عندما تشاهد فيلمًا غربيًا يتحدث عن المستقبل وأزماته وكوارثه والبحث عن المواجهات والحلول، وعندما تصيبك الدهشة ويأخذ الإبهار مكانته فى قلبك بعد مشاهدة فيلم «أنيميشن» وتسأل نفسك: كيف يأتون بكل هذا الخيال؟ فاعرف أن الأمر أكبر من مجرد فيلم ينجح تجاريًا أو يفشل، إنه طريقة تفكير تفتح أفق التوقع لكل شىء من الممكن حدوثه، وتتوجه إلى مشاهد يدرك أن وراء هذه المشاهد أشياء أخرى كثيرة.
الخيال يا سادة هو الذى يجعل مصمم مدينة يفكر فى مائة عام مقبلة، وهو الذى يجعله يفكر أن مصر من الممكن أن يحل عليها طقس بارد لدرجة وجود الثلج على قمم الجبال، وهو الذى يجعله يضع تصميمًا يتناسب مع وجود غابة مجاورة، ونقص الخيال هو الذى يجعل مهندسين أمامهم الصحراء على اتساعها لكنهم يصممون شققًا مساحتها 60 مترًا.
هل سأل أحدكم نفسه لماذا لا تنتج السينما المصرية أفلام خيال علمى؟ ولماذا تنجح أفلام «البلطجة» و«الفهلوة»؟ يحدث ذلك لأننا لا نريد أن نغادر أماكننا لا نريد لعقولنا أن تجتهد أو تجهد، ومصممو بيوتنا أيضًا يريدون أن يظلوا على تصميماتهم القديمة الشكلية التى تضر أكثر مما تفيد.
ما حدث فى القاهرة الجديدة هو غياب التوقع، حتى المسؤولين هناك فكروا فى غلق هواتفهم، معتقدين أنهم بهذه الطريقة لن يراهم أحد، كما أنهم مستعدون بإجابة واحدة عند المساءلة «لم نكن نتخيل ذلك»، هذا مع أن دورهم هو «تخيل ذلك» وأكثر منه.
الموضوع أكبر مما نظن، ولو لم نتنبه ستعانى منه الأجيال المقبلة، وذلك عندما يخلفنا العالم خلفه بـ سنوات ضوئية فى مواجهة التغيرات المناخية المتوقعة، بينما نحن لا نزال عاجزين عن تصديق تصميم يعصمنا من قليل من الماء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة