السياسة هى التى فتحت باب الجدل حول فيس بوك، قبلها لم يكن الموقع متهما بأنه يسمح للأخبار الكاذبة والموجهة بالمرور، كانت عمليات التسويق والإعلان مستمرة، لكن الانتخابات الأمريكية كشفت عن الصراع والاتهامات المتبادلة بين الجمهوريين والديمقراطيين بالتلاعب واستعمال مواقع التواصل للتأثير على الرأى العام، ووصل الأمر لاتهام قراصنة روس بالتلاعب فى الرأى العام الأمريكى.
وبالفعل تأثر الرأى العام، وفى استطلاع للرأى أجرته شركة أى أف أو بى IFOP كشف الجمهور فى أمريكا وأوروبا أن شركات التكنولوجيا، ومنها جوجل وفيس بوك، تتلاعب بالمعلومات من أجل مصالح سياسية لطرف ما، واعترف %60 من المشاركين فى الاستطلاع فى الولايات المتحدة و%54 من بريطانيا و%60 من إيطاليا و%68 من ألمانيا و%57 من فرنسا، بأنهم يعتقدون أن فيس بوك وجوجل يتلاعبان بالمعلومات لصالح توجهات سياسية معينة.
الاستطلاع جرى فى مارس الماضى، وكشف عن تراجع ثقة المشاركين فى موضوعية المعلومات التى تقدمها شركات التكنولوجيا، ولم تتجاوز نسبة الثقة فى معلومات مواقع التكنولوجيا 22 إلى %33، وفى الوقت نفسه نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن فيس بوك متهم بالتحريض على العنف، لكن الأمر تجاوز ذلك إلى حملات تضليل وكراهية ساهما فى أعمال الشغب فى سريلانكا الشهر الماضى، ونشر الكراهية الطائفية.
وقالت نيويورك تايمز: إن طبيعة مواقع فيس بوك تعتمد على ترويج البوستات والفيديوهات ذات التفاعل العالى، وهو ما حدث مع مواد تحض على الكراهية والعدوان والعنف، وأن الرغبة فى الانتشار وربط المستخدمين بالموقع تدفع لترك أنواع من البوستات المخالفة أو التى يمكن أن تؤدى إلى اقتتال أو تحركات مضادة، بالرغم من أنها غير. وضربت نيويورك تايمز مثلا بعمليات تحريض ضد المسلمين فى سيرلاتنكا بزعم أنهم يسيطرون على النشاط التجارى. وبالطبع فإن الاتهام بالتسييس ليس الأول، وهناك جدل متواصل طوال الشهور الأخيرة حول علاقة فيس بوك بالتدخلات السياسية التى تتحكم فى الرأى العام، وكانت الانتخابات الرئاسية الأمريكية أبرز مثال ولاتزال التحقيقات من قبل الأف بى أى ووزارة العدل حول ضلوع قراصنة وجواسيس روس بالتلاعب والتدخل لصالح دونالد ترامب.
وفى المقابل، كانت هناك اتهامات من الجمهوريين لجوجل بالانحياز إلى هيلارى كلينتون المرشحة للرئاسة، كما اتهمت بريطانيا الروس بالتدخل لتوجيه الرأى العام البريطانى للتصويت من أجل الخروج من الاتحاد الأوروبى «البريكست»، وجاءت النتائج على عكس مصالح البريطانيين لدرجة التفكير فى إعادة الاستفتاء حول البريكست الذى يظن أنه تم التلاعب بالرأى العام ليصوت عكس مصالحه.
وجاء أكبر اتهام لفيس بوك، بعد الكشف عن حصول شركة كامبريدج أنالتيكا البريطانية على بيانات عشرات الملايين من المستخدمين، وتوظيفها للتدخل فى الانتخابات الأمريكية.
ومعروف أن عملية بيع البيانات أمر شائع لدى أغلب شركات الاتصالات ومواقع التواصل، فى التسويق والإعلان، لكن الدخول إلى عالم السياسة، فى ظل وجود عداءات أو خصومات سياسية تجعل من السهل على الدول المتنافسة بأن تتدخل لاختراق النظام والتلاعب فى اتجاهات الرأى العام. وبالرغم من أن مايكل مكنالى، مدير الهندسة فى فيس بوك قال: إن فيس بوك ليس من اختصاصه معرفة إذا كان كل ما ينشر على الموقع صحيح أم كاذب، لكنهم يشعرون بالقلق عندما يصبح الباطل صناعة رائجة، ولذلك يتعامل مع الأخبار الكاذبة بجدية.
تصريح «مكنالى» يعنى صعوبة مواجهة الأخبار الكاذبة والشائعات التى تروج على مواقع التواصل، لكنه يعرب عن قلقه من الظاهرة، وقد وعد مارك زوكربيرج بالسعى لإطلاق تطوير يواجه الأخبار الكاذبة.
لكن هذه الوعود تظل تحصيل حاصل، ولا تصل إلى مواجهة فعلية، فضلا عن صعوبة فرز واستبعاد الأخبار الكاذبة، فضلا عن أن التدخلات يمكن أن تقلل أعداد المستخدمين، والمواجهة تقلل من فرص الموقع فى النمو، وبالتالى فإن السياسة هى التى تجعل الصراع أكثر سخونة وتفتح باب الصراعات.