الغول ترامب، البلطجى ترامب، الفاجومى ترامب، قول الأوصاف اللى تعجبك على الرئيس الأمريكى، لكن صراحته الموجعة وفجاجته وبجاحته تعرى ضعفنا وهواننا، وتخبط سياساتنا العربية على مدى عقود، وتجعل من المواجهة الآن لسياسات الاستعمار التى لم تتبدل أمرا فى غاية الصعوبة.
ترامب فى المؤتمر الصحفى الأخير مع الرئيس الفرنسى استهان لأقصى درجة بالبلدان العربية وعايرها بعجزها وضعفها وهوانها على الدول القوية فى العالم، وأعلنها صراحة «لازم تدفعوا عشان نستمر فى حمايتكم»، هكذا بصراحة تصل إلى الوقاحة، واستمر مخاطبا الدول العربية، «هذه الدول لم تكن تستمر أسبوعا لولا وجودنا فى المنطقة وحمايتنا لها، ونحن على مدى السنوات الثمانية عشرة الأخيرة أنفقنا نحو سبعة تريليونات دولار على حمايتكم، ولا بد أن تدفعوا ثمن هذه الخدمة الجليلة التى تبقى دولكم موجودة على الخريطة».
انتهى كلام ترامب المحمل بالرسائل الواضحة الصريحة الوقحة، فهل تستطيع دولة عربية أن ترد عليه؟ هل تستطيع دولة عربية أن تقول له لن أدفع الإتاوة؟ أو حتى تفاوضه فى قيمة الإتاوة التى يطلبها؟ هل تستطيع دولة عربية أن تقول له أنت تمثل الوجه البغيض للاستعمار الغربى الذى احتل أراضينا، واستنزف الثروات العربية، ومازال قابعا فى منطقتنا تحت ذرائع مختلفة، منها حماية الأمن العربى من تهديدات إيران تارة ومن تهديدات التنظيمات الإرهابية تارة أخرى؟ هل تستطيع دولة عربية أن تواجه الاستعمار الأمريكى، وأن تقول له اخرج برة المنطقة العربية، وستكون أوضاعنا أحسن ألف مرة، اسحب جنودك وقواعدك من أراضينا، ونحن سنتكفل بأعدائنا، سواء إيران الفارسية أو إسرائيل الصهيونية.
وقاحة ترامب وبلطجته ووضعه الأمور الاستعمارية فى نصابها الصحيح بدون تزويق أو تجميل، تجعلنا نبكى دما على الإرث العروبى الذى ضيعناه، فلو كنا أدركنا من نهايات الأربعينيات من القرن الماضى أن أمننا فى وحدتنا العربية، ما كانت الجامعة العربية أصبح هذا حالها، مجموعة دول متصارعة وكتل متناحرة لا تجتمع على شىء، بل إن دولا عربية تتحالف مع إسرائيل والغرب على أشقائها العرب، ودولا عربية أخرى تمول الأنشطة الإرهابية والجماعات التكفيرية لإسقاط عواصم عربية وتسميها بالشقيقة، حتى أصبحت واشنطن قبلة العرب وتل أبيب المندوب السامى للمنطقة والباب الذى يفضى إلى التأثير فى القرار الأمريكى.
لا عجب وحالنا على ما هو عليه، أن يطلب ترامب علنا استنزافه للثروات العربية بالأمر المباشر، ولا عجب وهو الحامى والضامن لوجود الدول العربية أن يسيطر عليها، وأن يغير الحدود والعواصم والمسميات، وأن يهدم دولا قائمة، وأن يوجد على الخريطة مسميات لدول مستحدثة.
هل يمكن أن يستمر الوضع القائم على ما هو عليه؟ استعمار أمريكى صريح ومعلن واستنزاف للثروات العربية؟ هل يمكن أن يظل العرب تحت نير الاحتلال الأمريكى الغاشم؟ السؤال لا يجيب عنه الأنظمة العربية الحالية، لأن إجاباتها معروفة ومعلنة طوال العقود الماضية، وهى ما أوصلتنا إلى ما نحن فيه من بلاء وهوان، لكن السؤال للشعوب العربية التى لا يمكن أن تظل طويلا تحت سطوة الغرب المستعمر المستبد، ما العمل؟ كيف نبنى أوطاننا لتكون حرة عزيزة أبية لا تركع أمام أية قوة ولا تهاب أى عدوان ولا تطلب الحماية من أجنبى؟