مع اقتراب امتحانات الثانوية العامة بدأت مخاوف التسريبات والغش، وأعلنت وزارة التربية والتعليم استعدادها لمواجهة ما أسمته «مافيا الغش»، التى هُزمت على «فيس بوك»، وتستعد لاستخدام «واتس آب»، الوزارة قالت إنها ستواجه ذلك وطمأنت الجميع أن التسريب مستحيل.
وقال مسؤولون بوزارة التعليم إن الغشاشين قرروا نقل نشاطهم من «فيس بوك» بعد تطبيق نظام البوكليت وهو ما دفع الغشاشين إلى تكوين جروبات وفرق على «الواتس آب»، بوصفه أكثر أمانا. وأصعب فى التتبع، لكن المسؤولين والجهات المعاونة استعدوا للمواجهة.
المفارقة أن يستخدم «المغششون» أحدث أدوات التكنولوجيا فى التسريب والغش، بينما تشير إجادتهم لأدوات التكنولوجيا أن لديهم مواهب من نوع ما، وأنهم متعلمون بشكل جيد، لكنهم يوظفون ذكاءهم وحرفيتهم فى أنشطة غير مشروعة، وهو أمر يحتاج بالفعل إلى دراسة نفسية، لأن هؤلاء لديهم ميول إجرامية تماما مثل فنان يجيد الرسم ويوظف موهبته فى تزييف العملة.
وبالطبع فإن مواجهة الغش الإلكترونى تمثل نجاحا للوزارة، ودليلا على إجادة استعمال وتوظيف التكنولوجيا، وهو ما قد يبدو لافتا للنظر ومحفزا لطرح أسئلة: إذا كنا قادرين على توظيف التكنولوجيا، والتقنيات الحديثة فى الدفاع ومواجهة الغش، فما الذى يمنع من توظيف هذه التكنولوجيا فى التعليم نفسه، وهو أمر دخل فى كل أنواع التعليم بالخارج، حيث تتم عمليات إنجاز الواجبات والمحاضرات بـ«الفيديو كونفرانس» والبث الحى «اللايف» الذى يمكن أن يكون طريقا لحل مشكلات الشرح والتكدس. بل وأيضا الانتقال من الكتاب المدرسى الورقى إلى الإلكترونى.
الأهم من كل هذا مواجهة الأصل فى عملية الغش، وهو الاعتماد على أسئلة ومناهج ثابتة تقوم على الحفظ، وتخلو من الفهم وتنمية القدرات، والامتحانات غاية وليست وسيلة لاختبار الاستيعاب، ولهذا نجد مفارقة من نوع شباب يجيد استعمال التقنيات فى الغش، بينما يصنف على أنه فاشل تعليميا.
ومعلوم أن المناهج العقيمة والامتحانات المقولبة هى التى تفتح الباب للدروس الخصوصية، وفى حال تغير هذا النظام، سوف تتراجع العيوب، وقد تم الإعلان عن تغيير شامل للتعليم والبدء فى مشروع حديث يجعل التعليم مختلفا، مع إدخال لتجارب وخبرات لدول متقدمة فى نظامنا التعليمى. وكلها خطط ينتظر أن يراها المواطنون، وسوف تحتاج إلى جهد وتغييرات وتدريب واستعداد حتى يمكن أن تكون نظاما جديدا، وليس مجرد ترقيع مثلما حدث طوال عقود.
الأهم من كل هذا، أن أجهزة الدولة إذا كانت قادرة على صد هجوم الغش الإلكترونى، ربما يكون الأفضل أن تطور هذه القدرات فى الهجوم، بحيث يتم إدخال وتوظيف هذه التقنيات الحديثة فى الشرح والمحاضرات والنقاش، وأن ينتقل التعليم من عملية تلقين ثابتة إلى عملية حيوية تقوم على توسيع المعارف، وأن يكون الامتحان وسيلة لتأكيد الاستيعاب، وليس غاية تنتهى بها العملية التعليمية.
وهناك نماذج وتجارب كثيرة على أدوات التواصل، تكشف عن مواهب فى توظيف التكنولوجيا فى الفهم، وهى تجارب تجذب الطلاب أكثر مما تفعل المناهج التعليمية، تماما مثلما كانت ولاتزال الكتب الخاصة والروايات أكثر جاذبية من الكتاب المدرسى. الأمر الذى يؤكد أن هناك طرقا أخرى يمكن أن تقودنا للتطور والتقدم، وكلها بالمناسبة حلول وتجارب من داخل الصندوق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة