بداية أعترف أننى لم أقرأ أى عمل أدبى للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، ربما بعض المقالات القليلة وبعض الأقاويل والمقتطفات البسيطة من أعماله، ولم تسعنى الظروف والأيام للالتقاء به يوما ما، ربما المحاولة الوحيدة التى حاولت فيها التواصل معه كان لأمر صحفى، وبعد محاولات كثيرة دون جدوى، أبلغنى حينها صديق أن الوصول لكأس العالم أسهل من الوصول للرجل، لا لتكبره لكن لأنه اختار طواعيةً الاختفاء بعيدا عن أضواء الشهرة والظهور .
لم أرى الرجل ولا مرة واحدة، لكن كما سمعت عنه من مقربين وأشخاص أثق فى آرائهم، هو إنسان لطيف جم الأدب ودمث الخلق، وكل ما استطعت معرفته عن الرجل أنه رجل هادئ الروح وكريم اللسان، عفيف النفس، غزير العمل.
كنت أسمع الشباب والقراء يطلقون عليه " العراب " ودائما ما كانت أتساءل من هذا الشخص الذى قرر مجموعة ليست بالقليلة أن يتخذوا منه "أبا روحيا" لهم، ظللت أتساءل عن ذلك حتى موعد الرحيل.
عندما سمعت خبر رحيله ، شعرت بحزن دفين وغصة لم أعلم سببها، رأيت الحزن يخيم على الكثيرين، ورأيت صفحات الأصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعى توشحت بالسواد، رأيت مظاهرة حب ووفاء وعرفان بفضل الرجل، رأيت زميلى بلال رمضان يقرر أن يسافر طنطا طواعية ودون أمر أو تكليف وفى يوم إجازته لا لشىء سوى وداع "العراب"، ووجدت كتابا نجوما وأصدقاء مقربين فى واجهة المشيعيين، رأيت جنازته أشبه بتظاهرة ومشهد مهيب بالشباب الذين قلما ظهروا فى مشاهد كبيرة الآن، ورأيت صورة مقبرته وكلمات الشباب عليها، وكأنها لوداع زعيم لا كاتب أديب ، تأكدت حينها بأن أحمد خالد توفيق كان كاتبا عظيم.
حينها عرفت أن أحمد خالد توفيق، واحد من العظماء، وتذكرت أن الله يمنح حب الناس لعباده الطيبين، وتأكدت أن حب الناس هى أعظم هبات الله وفيضه الكريم، علمت أن قيمة "العراب" ليست فقط فى أدبه ومقالاته ولكنها فى الحب، استوعبت أن أحمد خالد توفيق تخلى عن نجومية النخبة وغياب المجهولين ، وأختار خلود المحبين .
فى النهاية ليس التميز الأدبى فقط، هو عنوان التواجد، الحب وحده يصنع البقاء، ويمنح الخلود، ولا يمنحه الله إلا لمعدودين كأنها جزء من الموهبة، فربما كان اسمى درجات الموهبة هو القبول.